وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَمَرَ خَالِدًا بِرَدِّهِ عَلَى الْقَاتِلِ، فأما قوله لخالد حين غضب " لا ترده " فَتَأْدِيبٌ مِنْهُ لِعَوْفٍ حَتَّى لَا يَنْبَسِطَ الرَّعَايَا عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَدَّهُ مِنْ بَعْدُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ إِعْطَائِهِ سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ لِأَحَدِ قَاتِلِيهِ فَالْمَرْوِيُّ أَنَّ ابْنَيْ عَفْرَاءَ أَثْخَنَا أَبَا جَهْلٍ جِرَاحًا، وَخَرَّ صَرِيعًا فَأَتَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ لِيَجُزَّ رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ رُوَيْعِينَا بِالْأَمْسِ فَمَكِّنْ يَدَيْكَ وَجُزَّ الرَّقَبَةَ مَعَ الرَّأْسِ إِذَا لَقِيتَ أُمَّكَ فَأَخْبِرْهَا أَنَّكَ قَتَلْتَ أَبَا الْحَكَمِ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَأَخَذَ رَأْسَهُ مَعَ القبة وَكَانَ قَصْدُ أَبِي جَهْلٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَبْهَى لِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ أُمَّهُ بِذَلِكَ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْتَقَ تِسْعِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِكَ، ودفع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى ابْنَيْ عَفْرَاءَ أَوْ إِلَى أَحَدِهِمَا بِحَسْبِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَثْخَنَهُ بِالْجِرَاحِ وَبِإِثْخَانِ الْمَقْتُولِ يُسْتَحَقُّ السَّلَبُ لَا بِإِمَاتَةِ نَفْسِهِ وَرُوحِهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النَّفْلِ فَالْمَعْنَى فِيهِ افْتِقَارُ النَّفْلِ إِلَى تَقْدِيرِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ السَّلَبُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ مُسْتَحِقًّا بِالْقَتْلِ لَاسْتَحَقَّهُ إِذَا قَتَلَهُ مُوَلِّيًا أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ، فَهُوَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ بِقَتْلٍ عَلَى صِفَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْقَاتِلِ مِغْرَارًا بِنَفْسِهِ وَيَكُفَّ شَرَّ الْمَقْتُولِ بِقَتْلِهِ، وَهُوَ إِذَا رَمَاهُ لَمْ يُغَرِّرْ، وَإِذَا قَتَلَهُ مُوَلِّيًا فَقَدْ كَفَّ الْمُوَلِّي شَرَّ نَفْسِهِ، أَلَا تَرَاهُ لَوِ اسْتَحَقَّهُ بِشَرْطِ الْإِمَامِ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ إِلَّا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ السَّلَبُ مُسْتَحَقًّا بِالْقَتْلِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُغْنَمَ سَلَبُ مَقْتُولٍ لَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ فَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ بِقَتْلٍ عَلَى صِفَةٍ لَمْ يُغْنَمْ بِغَنِيمَةٍ فَيُمْنَعُ مِنْ قَسْمِهِ، فَلِذَلِكَ قُسِّمَ، أَلَا تَرَى لَوْ شَرَطَهُ الْإِمَامُ لَكَانَ مَغْنُومًا إِذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ مُسْتَحِقَّهُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ عَلَى صِفَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا السَّلَبَ.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَاسْتَدَلَّ عَلَى تَخْمِيسِ السَّلَبِ بِقَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَغْنُومٌ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْغَنَائِمِ، وَدَلِيلُنَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْأَخْبَارِ مِنْ إِعْطَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السَّلَبَ مِنْ غَيْرِ تَخْمِيسٍ. وَرُوِيَ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ قَتَلَ رَجُلًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنْ قَتَلَهُ؟ قَالُوا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ قَالَ: لَهُ سَلَبُهُ ".
وَهَذَا نَصٌّ.
وَرَوَى سُفْيَانُ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَتَلْتُ رَجُلًا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَبَلَغَ سَلَبُهُ اثني عشر ألفا فنفلنيه سعد، ولأنه أَهْلَ الْغَنِيمَةِ أَقْوَى مِنْ أَهْلِ الْخُمُسِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: كَثْرَةُ سَهْمِهِمْ.
وَالثَّانِي: حُضُورُهُمُ الْوَقْعَةَ مَعَ الْقَاتِلِ، ثُمَّ كَانُوا مَعَ قُوَّتِهِمْ لَا يُشَارِكُونَ الْقَاتِلَ فِي السَّلَبِ، فَلَأَنْ لَا يُشَارِكَهُ أَهْلُ الْخُمُسِ الَّذِينَ هُمْ أَضْعَفُ أَوْلَى، وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ قَدْ مَضَى وَقِيَاسُهُمْ عَلَى الْغَنِيمَةِ مَدْفُوعٌ بهذا الاستدلال.