الحاوي الكبير (صفحة 3562)

أجازه، وَكَانَ الْمُوصَى لَهُ فِي الْبَاقِي مِنْهَا وَارِثًا مع من رده. ثُمَّ هَلْ تَكُونُ إِجَازَتُهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ابتداء عطية منهم، أو إمضاء على قولين.

وعلى كلا القولين لا تفتقر إِلَى بَذْلٍ وَقَبُولٍ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.

فَصْلٌ:

وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ فَفِيهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مذهب مالك أنها جائزة وَإِنْ لَمْ يَرْثِ، كَمَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْكَافِرِ وَإِنْ لَمْ يَرِثْ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ يُرَاعَى فِيهِ القبول، فلم يمنع منه القتل كالبيع.

وأما القول الثاني: وبه قال أبو حنيفة الوصية باطلة لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ليس للقاتل وصية " وَلِأَنَّهُ مَالٌ يُمْلَكُ بِالْمَوْتِ، فَاقْتَضَى أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ الْقَاتِلُ كَالْمِيرَاثِ، عَلَى أَنَّ الْمِيرَاثَ أَقْوَى التَّمْلِيكَاتِ، فَلَمَّا مَنَعَ مِنْهُ الْقَتْلُ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ مِنَ الْوَصِيَّةِ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ القولان، فلا فرق أن يوصي به بَعْدَ جَرْحِهِ إِيَّاهُ وَجِنَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُوصِيَ لَهُ قَبْلَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يَجْنِي عَلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَلَى قَوْلَيْنِ.

وَلَكِنْ لَوْ قَالَ الْمُوصِي، وَلَيْسَ بِمَجْرُوحٍ، قَدْ وَصَّيْتُ بثلث مالي لم يَقْتُلُنِي فَقَتَلَهُ رَجُلٌ: لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ قَوْلًا واحدا لأمرين:

أحدهما: لأنها وصية عقد عَلَى مَعْصِيَةٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ فِيهَا إِغْرَاءً بِقَتْلِهِ.

فإن وَصَّى بِثُلُثِهِ لِقَاتِلِ زَيْدٍ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ القتل، لم يجز لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَتْلِهِ: جَازَ، وَكَانَ الْقَتْلُ تَعْرِيفًا. وَهَكَذَا لَوْ وَهَبَ فِي مَرَضِهِ لِقَاتِلِهِ هِبَةً أَوْ حَابَاهُ فِي بَيْعٍ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنِ حَقٍّ فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لَهُ تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ. وَهَكَذَا: لَوْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا فَقَتَلَ العبد سيده، كان له فِي عِتْقِهِ قَوْلَانِ، لِأَنَّ عِتْقَهُ وَصِيَّةٌ لَهُ.

وَلَكِنْ لَوْ وَهَبَ هِبَةً فِي صِحَّتِهِ أَوْ أَبْرَأَ مِنْ حَقٍّ، أَوْ حَابَى فِي بَيْعٍ، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ إِنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ قتل الواهب، والمبرأ قتل المشتري، والمحابا قَتَلَ الْمُحَابِيَ، وَالْعَبْدَ الْمُعْتَقَ قَتَلَ سَيِّدَهُ، كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ نَافِذًا مَاضِيًا، لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الصحة يمنع مِنْ إِجْرَائِهِ مَجْرَى الْوَصِيَّةِ.

وَلَوْ جَرَحَ رَجُلٌ رَجُلًا ثُمَّ إِنِ الْمَجْرُوحُ وَصَّى لِلْجَارِحِ بِوَصِيَّةٍ ثم أجهز عَلَى الْمُوصِي آخَرُ فَذَبَحَهُ جَازَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْجَارِحِ الأول، لأن الذابح الثاني صَارَ قَاتِلًا وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الثَّانِي قَدْ ذبحه ولكن لو جرحه صار الثاني والأول قاتلين، فرد الوصية للأول على أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

وَإِذَا قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ، فَإِنْ قِيلَ إِنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ، فَفِي بُطْلَانِ عِتْقِهِ قولان لأنه يعتق من الثلث.

ولو قتلت أم الولد سيدها بعد عِتْقُهَا قَوْلًا وَاحِدًا لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ عِتْقَهَا مُسْتَحِقٌّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015