وَالثَّانِي: أَنَّ فِي اسْتِبْقَائِهَا عَلَى حَالِهَا إِضْرَارٌ بِالْوَرَثَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى بَيْعِهَا وَخَالَفَ استيفاء رق المدبر للقدرة على البيعة.
ثُمَّ يَنْظُرُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، إِذَا كَانَ قَتْلُهَا عَمْدًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدُهَا بَاقِيًا، قُتِلَتْ قَوَدًا، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا، سَقَطَ الْقَوَدُ عَنْهَا، لِأَنَّ وَلَدَهَا شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ فِي الْقَوَدِ مِنْهَا، وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَوَدُ مِنْ أُمِّهِ. فَسَقَطَ حَقُّهُ وَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ عَنْهَا، فِي حَقِّ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، سَقَطَ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَصَّى لِابْنِ قَاتِلِهِ، أَوْ لِأَبِيهِ، أَوْ لِزَوْجَتِهِ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ غَيْرُ قَاتِلٍ.
وَلَوْ أَوْصَى لِعَبْدِ الْقَاتِلِ لم تجز فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ.
وَلَوْ أقر رجل لقاتله دين، كان إقراره نافذا قولا واحدا لأن الدين لازم وهو مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَخَالَفَ الْوَصَايَا.
وَلَوْ كَانَ لِلْقَاتِلِ عَلَى الْمَقْتُولِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ: حَلَّ بِمَوْتِ المقتول، لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يُورَثُ عَنْهُ، وَلَيْسَ كَالْمَالِ الْمَوْرُوثِ، إِذَا مَنَعَ الْقَاتِلُ مِنْهُ صَارَ إِلَى الْوَرَثَةِ.
وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ فِي الْوَصِيَّةِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، كَمَا أَنَّ الْمِيرَاثَ يَمْنَعُ مِنْهُ قَتْلُ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فلو أجاز الورثة للقاتل، وقد منع منهما فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، كَانَ فِي إِمْضَائِهَا بِإِجَازَتِهِمْ وَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي إِمْضَائِهِمُ الْوَصِيَّةَ للوارث.
فإن قلنا إن الوصية للوارث مردود وَلَا تَمْضِي بِإِجَازَتِهِمْ رُدَّتِ الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ، وَلَمْ تمض بإجازتهم.
وإن قلنا: إنه يمضي الوصية للوارث بإجازتهم، أمضت الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ بِإِجَازَتِهِمْ.
وَالْأَصَحُّ: إِمْضَاءُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ بِالْإِجَازَةِ، وَرَدُّ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ مَعَ الْإِجَازَةِ، لِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ فِي الْوَصِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ لِلْوَارِثِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْضِيلِ الْمُوصَى لَهُ عَلَيْهِمْ فَجَازَتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِإِجَازَتِهِمْ، وَحَقُّ الرَّدِّ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَقْتُولِ، لِمَا فِيهِ من حسم الذرائع المقضية إلى قتل نفسه، فلم تصح الوصية بإجازتهم.
وأما الوصية للعبد، فإن كان لعبد نفسه لم يجز. لأنها وصية لورثته.
وَإِنْ كَانَتْ لَعَبْدِ غَيْرِهِ جَازَ وَكَانَتْ وَصِيَّةً لِسَيِّدِهِ، وَهَلْ يَصِحُّ قَبُولُ الْعَبْدِ لَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ، كَمَا يصح أن يملك والاحتشاش بالاصطياد مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سعيد الإصطرخي: لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ السَّيِّدَ هُوَ الْمُمَلَّكُ.
فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لَوْ قَبِلَهَا السَّيِّدُ دُونَ الْعَبْدِ، لم يجز.
وعلى الوجه الثاني: يجوز.
فأما إذا أوصى لمدبره.