والحالة الثَّالِثَةُ: أَنْ يُصَدِّقَهُ الْوَكِيلُ وَيُكَذِّبَهُ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ إِلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الْمُكَذِّبِ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلَهُ الْقِيمَةُ. وَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِهَا عَلَى الْوَكِيلِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى يَمِينٍ لِتَصْدِيقِهِ لَهُ. وَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا بُدَّ مِنَ الْيَمِينِ لتكذيبه له.
والحالة الرَّابِعَةُ: أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي وَيُكَذِّبَهُ الْوَكِيلُ. فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الْمُصَدِّقِ لَهُ. وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلَهُ الْقِيمَةُ. فَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يَحْتَجْ إِلَى يَمِينٍ لِتَصْدِيقِهِ لَهُ. وَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ بِهَا عَلَى الْوَكِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ لِتَكْذِيبِهِ لَهُ. هَذَا حُكْمُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أُذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ فَيَبِيعُ بِالنَّقْدِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ خَرَجَ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ النَّقْدِ أَمْ لَا. فَإِنْ نَهَاهُ صَرِيحًا عَنْ بَيْعِ النَّقْدِ كَانَ بَيْعُهُ بَاطِلًا. ثُمَّ الْكَلَامُ فِي التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ عَلَى مَا مَضَى.
وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ النَّقْدِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبِيعَهُ نَقْدًا بِمَا يُسَاوِي بِالنَّقْدِ. فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قَدْ فَوَّتَ عَلَيْهِ فَضْلَ النَّسِيئَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أن يبيعه نقدا بما يساوي نسيئة كأن يُسَاوِيَ بِالنَّقْدِ مِائَةً وَبِالنَّسِيئَةِ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَيَبِيعَهُ بِمِائَةً وَخَمْسِينَ نَقْدًا.
فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ لِحُصُولِ الزِّيَادَةِ مَعَ التَّعْجِيلِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي ثُبُوتِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ مَلِيٍّ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِبَيْعِ النَّسِيئَةِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا تَخْرِيجُ الْبَيْعِ لِلْكَسَادِ أَوْ عَيْبٍ. وَإِمَّا طَلَبُ الْفَضْلِ فِي الثَّمَنِ وقد حصل الْأَمْرَانِ لَهُ بِهَذَا الْبَيْعِ. فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ ثُبُوتِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ مَلِيٍّ فَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إِذَا عَجَّلَهُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ وَيَشْتَرِيَ بِالنَّسِيئَةِ. فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعَيِّنَ بِهِ الثَّمَنَ الَّذِي يَشْتَرِي بِهِ. فَالشِّرَاءُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى بِغَيْرِ الْعَيْنِ كَانَ مُخَالِفًا وَلَزِمَ الْوَكِيلَ. وَإِنِ اشْتَرَى بِالْعَيْنِ إِلَى أَجَلٍ كَانَ بَاطِلًا وَلَمْ يَلْزَمِ الْمُوَكِّلَ وَلَا الْوَكِيلَ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُعَيِّنَ لَهُ الثَّمَنَ الَّذِي يَشْتَرِي بِهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يشتري بما يساوي نسيئا وَبِأَكْثَرَ مِمَّا يُسَاوِي نَقْدًا. فَالشِّرَاءُ غَيْرُ لَازِمٍ