وَالْفَصْلُ الرَّابِعُ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ فَيَشْتَرِيَ بِالنَّقْدِ.
فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ بِالنَّقْدِ فَيَبِيعَ بالنسيئة فللوكيل والمشتري أربعة أحوال:
أحدهما: أَنْ يُصَدِّقَاهُ عَلَى أَنَّ إِذْنَهُ كَانَ بِالنَّقْدِ فلا يميز عَلَى الْمُوَكِّلِ لِتَصْدِيقِهِمَا لَهُ بِذَلِكَ وَيَكُونَ الْبَيْعُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ: وَالصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ الْقَدِيمِ بَاطِلًا. أَجَازَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ لَمْ يُجِزْهُ لِوُقُوعِهِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ. فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْوَكِيلِ التَّسْلِيمُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي. وَإِنْ سَلَّمَ ذَلِكَ إِلَى الْمُشْتَرِي كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَكِيلِ وَالْمُشْتَرِي ضَامِنًا. أَمَّا الْوَكِيلُ فَلِتَعَدِّيهِ بِالدَّفْعِ. وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِعِلَّتَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: حُصُولُ يَدِهِ عَلَى مَا لَزِمَ ضَمَانُهُ.
وَالثَّانِيَةُ: قَبْضُهُ عَنْ بَيْعٍ فَاسِدٍ. فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا اسْتَرْجَعَهُ الْمُوَكِّلُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَكِيلَ بِاسْتِرْجَاعِهِ. وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْقِيمَةِ دُونَ الثَّمَنِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنَ الْوَكِيلِ أَوِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْوَكِيلِ رَجَعَ الْوَكِيلُ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ وَإِنْ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعِ الْمُشْتَرِي بِهَا عَلَى الْوَكِيلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ دَفَعَ إِلَيْهِ الثَّمَنَ فَيَرْجِعَ بِهِ. وَكَانَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُخَرِّجُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهًا فِي الْقَدِيمِ. حَيْثُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ: إِنَّ الْغَاصِبَ إِذَا أَجَّرَ مَا غَصَبَهُ كَانَ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْإِجَارَةِ وَأَخْذِ الْمُسَمَّى وَبَيْنَ فَسْخِهَا وَالْمُطَالَبَةِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. فَجَعَلَ الْمُوَكِّلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُخَيَّرًا بَيْنَ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ وَمُطَالَبَةِ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَبَيْنَ فَسْخِهِ وَاسْتِرْجَاعِ الْمَبِيعِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا أَوِ الْقِيمَةِ إِنْ كَانَ تَالِفًا. فَإِنْ أَمْضَيَا الْبَيْعَ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ فُسِخَ فَلَهُ مُطَالَبَةُ أَيِّهِمَا شَاءَ بالقيمة وأنكر باقي أصحابنا هذا التخريج.
والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يُكَذِّبَهُ الْوَكِيلُ وَالْمُشْتَرِي وَيَزْعُمَانِ أَنَّهُ أَذِنَ فِي بَيْعِ النَّسِيئَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ فِي صِفَتِهِ. وَيَحْلِفُ لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً لِأَنَّهُمَا أَكْذَبَاهُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ.
فَإِذَا حَلَفَ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا اسْتَرْجَعَهُ وَإِنْ كان تالفا يرجع القيمة عَلَى مَنْ شَاءَ مِنَ الْوَكِيلِ وَالْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِمَا ضَامِنَيْنِ بِمَا بَيَّنَّا. فَإِنْ رَجَعَ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ بِالثَّمَنِ إِنْ كَانَ قَدْ أَقْبَضَهُ إِيَّاهُ. سَوَاءٌ زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا. وَإِنْ رَجَعَ الْمُوَكِّلُ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْوَكِيلِ. فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي. وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُشْتَرِي بما زَادَ فِي الْقِيمَةِ عَلَى قَدْرِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ مقر الْمُوَكِّلَ ظَالِمٌ بِهَا. فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى غَيْرِ مَنْ ظَلَمَهُ.