أَحَدُهَا: هُوَ أَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الجارية المرهونة كما أن حق المجني عليه يتعلق برقبة الجانية، فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْإِحْبَالُ مَانِعًا مِنْ بَيْعِهَا فِي الْجِنَايَةِ لَمْ يَكُنِ الْإِحْبَالُ مَانِعًا مِنْ بَيْعِهَا فِي الرَّهْنِ.
وَالثَّانِي: هُوَ أَنَّ نُفُوذَ الْإِحْبَالِ مُبْطِلٌ لِوَثِيقَةِ الْمُرْتَهِنِ مِنَ الرَّهْنِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ مُبْطِلٌ لِوَثِيقَةِ الْمُرْتَهِنِ مِنَ الرَّهْنِ، فَلَمَّا كَانَ بَيْعُ الرَّاهِنِ غَيْرَ صَحِيحٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ وَثِيقَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِحْبَالُ الرَّاهِنِ غَيْرَ نَافِذٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ وَثِيقَةِ الْمُرْتَهِنِ.
وَالثَّالِثُ: هُوَ أَنَّ إِثْبَاتَ الرَّهْنِ أَوْلَى مِنْ نُفُوذِ الْإِحْبَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرَّهْنَ أَسْبَقُ مِنَ الْإِحْبَالِ فَكَانَ أَوْلَى.
وَالثَّانِي: أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ تَمَّ بِاخْتِيَارِهِمَا، وَالْإِحْبَالُ حَادِثٌ بِاخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا فَكَانَ مَا تَمَّ بِاخْتِيَارِهِمَا أَوْلَى، وَإِذَا كَانَ إِثْبَاتُ الرَّهْنِ أَوْلَى مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِحْبَالِ تَأْثِيرٌ فِيهِ فَهَذَا تَوْجِيهُ هَذَا الْقَوْلِ.
وَإِذَا قلنا: إنها تَخْرُجُ مِنَ الرَّهْنِ فِي الْيَسَارِ وَلَا تَخْرُجُ منه فِي الْإِعْسَارِ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَوَجْهُهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: هُوَ أَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ كَمَا أَنَّ الشَّرِيكَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ، فَلَمَّا كَانَ إِحْبَالُ الشَّرِيكِ نَافِذًا فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ فِي الْيَسَارِ دُونَ الْإِعْسَارِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِحْبَالُ الرَّاهِنِ نَافِذًا فِي الرَّهْنِ فِي الْيَسَارِ دُونَ الْإِعْسَارِ.
وَالثَّانِي: هُوَ أَنَّ الْحَقَّيْنِ إِذَا أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُمَا لَمْ يَجُزْ إِسْقَاطُ أَحَدِهِمَا وَفِي الْيَسَارِ يمكن استيفاءهما وَفِي الْإِعْسَارِ لَا يُمْكِنُ تَقَدُّمُ الرَّهْنِ، لِأَنَّهُ أَسْبَقُهُمَا.
وَالثَّالِثُ: هُوَ أَنَّ الْإِحْبَالَ تَصَرُّفٌ فِي عَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا اسْتِيفَاءُ حَقِّ الْغَيْرِ مِنْهَا، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْيَسَارُ فِي إِمْضَاءِ تَصَرُّفِهِ، وَالْإِعْسَارُ فِي رَدِّ تَصَرُّفِهِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ التصرف موجب للغرم وَالْمُوسِرُ قَادِرٌ عَلَى الْغُرْمِ دُونَ الْمُعْسِرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ رَدَّ التَّصَرُّفِ حَجْرٌ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِحَقِّ الدَّيْنِ هُوَ الْمُعْسِرُ دُونَ الْمُوسِرِ فَهَذَا تَوْجِيهُ هَذَا الْقَوْلِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْأَقَاوِيلِ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى إِبَانَةِ حُكْمِ الْجَارِيَةِ إِذَا قُلْنَا بِخُرُوجِهَا مِنَ الرَّهْنِ، وَإِلَى حُكْمِهَا إِذَا قُلْنَا بِبَقَائِهَا فِي الرَّهْنِ.
فَأَمَّا إِذَا قُلْنَا: إِنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ مِنَ الرَّهْنِ فَقَدْ صَارَتْ لِلرَّاهِنِ أُمَّ وَلَدٍ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ لَا