فَأَمَّا الْأُمُّ فَهِيَ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ. وَهَلْ تَخْرُجُ مِنَ الرَّهْنِ أَمْ لَا؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ الْمَنْسُوبِ إِلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ:
إِنْ كَانَ معسرا لم تخرج من الرهن فإن كَانَ مُوسِرًا فَعَلَى قَوْلَيْنِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الْكَبِيرِ الْمَنْسُوبِ إِلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ: إِنَّهُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا خَرَجَتْ مِنَ الرَّهْنِ وَطُولِبَ بِقِيمَتِهَا.
وَتَكُونُ رَهْنًا أَوْ قِصَاصًا مِنَ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَعَلَى قَوْلَيْنِ.
فَحَصَلَ فِي خُرُوجِهَا مِنَ الرَّهْنِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنَ الرَّهْنِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنَ الرَّهْنِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: تَخْرُجُ مِنَ الرَّهْنِ فِي الْيَسَارِ وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ فِي الْإِعْسَارِ.
وَإِذَا قُلْنَا: تَخْرُجُ مِنَ الرَّهْنِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة وَوَجْهُهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: هُوَ أَنَّ الرَّهْنَ مُحْتَبِسٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ كَمَا أَنَّ الْمَبِيعَ مُحْتَبِسٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِثَمَنِهِ، فَلَمَّا كَانَ حَبْسُ الْجَارِيَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ تَصِيرَ بِوَطْءِ الْمُشْتَرِي أُمَّ وَلَدٍ يَحْرُمُ بَيْعُهَا، كَذَلِكَ حَبْسُ الْجَارِيَةِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ تَصِيرَ بِوَطْءِ الرَّاهِنِ أُمَّ وَلَدٍ يَحْرُمُ بَيْعُهَا.
وَالثَّانِي: هُوَ أَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ، وَحُكْمُ الْإِحْبَالِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ دُونَ الذِّمَّةِ، وَالْحَقَّانِ إِذَا تَرَادَفَا وَكَانَ أَحَدُهُمَا مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ، وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ دُونَ الذِّمَّةِ، كَانَ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ دُونَ الذِّمَّةِ مُتَقَدِّمًا عَلَى مَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ، كَالْجِنَايَةِ إِذَا حَدَثَتْ مِنَ الرَّهْنِ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُتَقَدِّمَةً لِتَعَلُّقِهَا بِالدَّيْنِ.
وَالثَّالِثُ: هُوَ حُكْمُ الْإِحْبَالِ أَقْوَى مِنَ الرَّهْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ حُكْمَ الْإِحْبَالِ يَقَعُ فِي الْمِلْكِ وَيَسْرِي إِلَى غَيْرِ الْمِلْكِ. وَالرَّهْنُ لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي مِلْكٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ حُكْمَ الْإِحْبَالِ يَسْتَوِي فِيهِ الرَّشِيدُ وَغَيْرُ الرَّشِيدِ وَالرَّهْنُ لَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ رَشِيدٍ. فَإِذَا كَانَ الْإِحْبَالُ أَقْوَى مِنَ الرَّهْنِ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَزِيَادَةً غَلَبَ حُكْمُ الْإِحْبَالِ عَلَى الرَّهْنِ ... فَهَذَا تَوْجِيهُ هَذَا الْقَوْلِ.
وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنَ الرَّهْنِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ فَوَجْهُهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: