وَالثَّانِي: أَنَّ عَمَلَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَتْلَفْ لِأَنَّهُ قَدْ أُسْقِطَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ، فَبِهَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ اختلفا في رد الأجرة.
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وإن كان عام جذب، أَوْ عطشٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، أَوْ كَانَ خَوْفَ عَدُوٍّ، وَأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِدٍ لِلسَّبِيلِ، لَمْ يَلْزَمْهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ أَمَّا قَوْلُهُ: عَامَ جَدْبٍ يُرِيدُ بِهِ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قِلَّةُ الْعُشْبِ فِي الطَّرِيقِ، وَالْكَلَأِ.
وَالثَّانِي: عَدَمُ الْمِيرَةِ، وَالزَّادِ أَوْ وُجُودُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، فِي وَقْتِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ أَنْ يَتَزَوَّدُوا مِنْهُ، لِأَنَّ الْوَاجِدَ لِلشَّيْءِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، فِي حُكْمِ الْعَادِمِ لَهُ كَالْمُسَافِرِ يَتَيَمَّمُ إِذَا عَدِمَ الْمَاءَ فَإِذَا وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ تَيَمَّمَ أَيْضًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ عَطَشٍ يُرِيدُ بِهِ عَدِمَ الْمَاءَ فِي طَرِيقِهِ، أَوْ وُجُودَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ يُرِيدُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَمَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْ قِرْبَةٍ، أَوْ مَحْمَلٍ أَوْ زَامِلَةٍ، وَالْحُكْمُ فِي عَدَمِهِ كَالْحُكْمِ فِي عَدَمِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ خَوْفَ عَدُوٍّ يُرِيدُ مَانِعًا مِنَ الْحَجِّ، إِمَّا بِطَلَبِ مَالٍ، أَوْ نَفْسٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ عَامًّا فَأَمَّا إِنْ طَلَبَ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا فِي إِسْقَاطِ الْحَجِّ عَنْهُ، وَكَانَ كَالْمَرِيضِ لِإِمْكَانِ فِعْلِ الْحَجِّ عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ، أَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْهَا سَقَطَ فَرْضُ الْحَجِّ لِأَجْلِهَا وَبِاللَّهِ التوفيق.
مسألة
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَمْ يَبْنِ عَلَى أنْ أُوجِبَ عَلَيْهِ رُكُوبَ الْبَحْرِ لِلْحَجِّ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا أَهْلُ الْبَرِّ إِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ رُكُوبُ الْبَرِّ لِخَوْفٍ فِيهِ، أَوْ مَانَعٍ وَأَمْكَنَهُمْ رُكُوبُ الْبَحْرِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ رُكُوبُهُ، وَفَرْضُ الْحَجِّ سَاقِطٌ عَنْهُمْ مَا كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُمْ لِمَا يَعْتَرِضُهُمْ في البحر من عظيم الخوف، ومن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْبَحْرُ نارٌ فِي نارٍ " وَأَمَّا سُكَّانُ الْبَحْرِ وَمَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي الْبَرِّ، فَرُكُوبُ الْبَحْرِ يَلْزَمُهُمْ فِي الْحَجِّ إِذَا أَمْكَنَهُمْ سُلُوكُهُ، وَكَانَ غَالِبُهُ السَّلَامَةَ فَإِذَا اعْتَرَضَهُمُ الْخَوْفُ فَهُمْ كَأَهْلِ الْبَرِّ إِذَا خَافُوا، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْصُوصُهُ، فَلَا مَعْنَى لِمَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَنْهَارِ وَالْبِحَارِ الصِّغَارِ، بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ صِغَارِ الْبَحْرِ وَكِبَارِهَا وَاللَّهُ تعالى أعلم بالصواب.
مسألة
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَرُوِيَ عَنْ عطاءٍ وطاوسٍ أَنَّهُمَا قَالَا الْحَجَّةُ الْوَاجِبَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ".