قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا مَاتَ، وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ بِمَوْتِهِ لِمَا دَلَّلَنَا عَلَيْهِ، وَوَجَبَ قَضَاؤُهَا عَنْهُ، وَلَهُ حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوصِيَ بِإِخْرَاجِهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يُوصِيَ فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِإِخْرَاجِهَا وَجَبَ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ قِيَاسًا عَلَى الدُّيُونِ للآدميين ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فدين الله أحق أن يقضى " فأما النُّذُورُ وَالْكَفَّارَاتُ وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُخْرَجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ، وَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُخْرَجُ مِنَ الثُّلُثِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَزِمَهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَكَانَ أَضْعَفَ حَالًا مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِالشَّرْعِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ هذا منكسر بالدين، فإذ تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونُ الْآدَمِيِّينَ، وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَإِنِ اتَّسَعَ مَالُهُ لِقَضَاءِ الْجَمِيعِ فَذَاكَ، فَإِنْ ضَاقَ عَنْهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: تُقَدَّمُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ عَلَى دُيُونِ الْآدَمِيِّينَ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى ".
وَالثَّانِي: تُقَدَّمُ دُيُونُ الْآدَمِيِّينَ لِتَعَلُّقِهَا بِخَصْمٍ حَاضِرٍ، وَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعَلَيَّ دَيْنٌ قَالَ اقْضِ دَيْنَكَ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُقَسَّمَ بِالْحِصَصِ.
: فَإِنْ أَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُوصِيَ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ.
وَالثَّانِي: مِنْ ثُلُثِهِ.
وَالثَّالِثُ: تُطْلَقُ الْوَصِيَّةُ، فَإِنْ وَصَّى بِإِخْرَاجِهَا من رأس ماله، وكان وَصِيَّتُهُ أَفَادَتِ الْإِذْكَارَ وَالتَّأْكِيدَ، وَإِنْ وَصَّى بِإِخْرَاجِهَا مِنْ ثُلُثِهِ أُخْرِجَتْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَكَأَنَّهُ قَدْ وَفَّرَ عَلَى وَرَثَتِهِ فَإِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا وَجَبَ إِتْمَامُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ بِهَا فَلَمْ يَجْعَلْهَا فِي ثُلُثِهِ، وَلَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ فَلَهُ حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوصِيَ مَعَهَا بِمَا يَكُونُ فِي الثُّلُثِ مِثْلَ عِتْقٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ إِلَى أَنَّ الْحَجَّةَ فِي رَأْسِ مَالِهِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هريرة تكون