لِحَجٍّ، قَالُوا: وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ عَلَى الْبَدَنِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ بِالْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَعَلَّقَتْ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ بِالْمَوْتِ كَالْجِهَادِ، وَهَذَا خَطَأٌ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى، فَشَبَّهَ الْحَجَّ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حَجَّ عَنْ وَالِدَيْهِ وَلَمْ يحجا أجزأه عنهما ونشرت أرواحهما وكتبت عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا وَلِأَنَّهُ حَقٌّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ بِالْمَوْتِ كَالدُّيُونِ مَعَ مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ " إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا حَجٌّ فَقَالَ لَهَا: " حُجِّي عَنْهَا " فَأَمَرَهَا بِالْحَجِّ عَنْهَا وَلَمْ يَسْأَلْهَا أَوْصَتْ لَهَا أَمْ لَا؟ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ ذَكَرَ مِنْهَا حَجٌّ يُقْضَى فأما الآية فلا دليل فيهما لِأَنَّ التَّكْلِيفَ وَالِاسْتِطَاعَةَ إِنَّمَا لَزِمَاهُ فِي حَالِ حياته وما على الصلاة فبعيد لأنهما لا تسقط بالموت إنما تصح النيابة فيهما فكذلك لم يؤمر لقضائها وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْجِهَادِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَصِحُّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، كَذَلِكَ بعد الوفاة.
: فَأَمَّا النِّيَابَةُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ، فَلَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ، وَإِنْ وَصَّى بِهَا فَعَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَصْلَ في أعمال الأبدان أن النيابة فيها لَا تَجُوزُ وَإِنَّمَا جَازَ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ولأجل الضَّرُورَةِ وَتَعَذُّرِ أَدَاءِ الْفَرْضِ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي التَّطَوُّعِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ لِأَنَّ كُلَّمَا صَحَّتِ النِّيَابَةُ فِي فَرْضِهِ صَحَّتِ النِّيَابَةُ فِي نَفْلِهِ أَصْلُهُ: الصَّدَقَاتُ، وَعَكْسُهُ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ، فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ النِّيَابَةِ فِيهِ وَقَعَ الْحَجُّ عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَاسْتَحَقَّ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّ النِّيَابَةَ فِيهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَقَعَ الْحَجُّ عَنِ الْأَجِيرِ، وَهَلْ لَهُ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا أُجْرَةَ لَهُ لِوُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ، كَمَا لَوِ اسْتُؤْجِرَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ رَدُّ الْأُجْرَةِ لِوُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ.
وَالْقَوْلِ الثَّانِي: لَهُ الْأُجْرَةُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَمَلَهُ بِأَدَائِهِ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ، فَصَارَ كَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِحُمُولَةٍ فَحَمَلَهَا، ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَعْطَاهُ حُمُولَةَ غَيْرِهِ، فَالْأُجْرَةُ لَهُ مُسْتَحَقَّةٌ، وَفَارَقَ أَنْ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ انْتِقَالَ الْحَجِّ إِلَى نَفْسِهِ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ.