الحاوي الكبير (صفحة 1371)

صَوْمِ الْفَرِيضَةِ، وَاسْتَوَى حُكْمُ جَمِيعِهِ ثُمَّ كَانَ النَّهَارُ مَحَلًا لِلنِّيَّةِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَجَبَ أن يستوي حكم جميعه.

فصل

: فإذا نويي صَوْمَ التَّطَوُّعِ نَهَارًا عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ فَهَلْ يُحْتَسَبُ لَهُ صَوْمُ جَمِيعِ الْيَوْمِ وَيُحْكَمُ لَهُ بِثَوَابِ سَائِرِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا يُحْتَسَبُ لَهُ صَوْمُ جَمِيعِ الْيَوْمِ، وَيُحْكَمُ لَهُ بِثَوَابِ سَائِرِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ يُحْتَسَبُ لَهُ مِنْ وَقْتِ نِيَّتِهِ، وَمَا بَعْدَهُ دُونَ مَا تَقَدَّمَهُ وَيُحْكَمُ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ بِقَدْرِ ذَلِكَ، قَالَ: لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى إِثْبَاتِ النِّيَّةِ فِي ابْتِدَائِهَا فَلَوْ حُكِمَ لَهُ بِصَوْمِ جَمِيعِ الْيَوْمِ، إِذَا نَوَى فِي بَعْضِهِ لَتَأَخَّرَتْ نِيَّتُهُ عَنِ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْأُصُولِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ غَلَطٌ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ صَائِمًا فِي بَعْضِ نَهَارِهِ مُفْطِرًا فِي بَعْضِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ نَوَى أَنْ يَصُومَ بَقِيَّةَ نَهَارِهِ، لَمْ يَصِحَّ لِامْتِنَاعِ تَبْعِيضِ الصَّوْمِ وَتَفْرِيقِ الْيَوْمِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنَعًا، وَقَدْ حُكِمَ لَهُ بِصَوْمِ بَعْضِ الْيَوْمِ وَجَبَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِجَمِيعِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ زَمَانَ اللَّيْلِ لَمَّا كَانَ مُنَافِيًا لِلصَّوْمِ صَحَّ فِيهِ اجْتِمَاعُ الْأَكْلِ، وَالنِّيَّةِ لِصَوْمِ الْغَدِ، وَلَمَّا كَانَ زَمَانُ النَّهَارِ غَيْرَ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ، لَمْ يَصِحَّ فِيهِ اجْتِمَاعُ الْأَدَاءِ، وَالنِّيَّةِ لِصَوْمِ مَا بَعْدُ وَلَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يُدْرِكَ الرَّجُلُ بَعْضَ الْعِبَادَةِ وَيُحْكَمَ لَهُ بِإِدْرَاكِ جَمِيعِهَا، وَثَوَابِ سَائِرِهَا كَالْمُصَلِّي يُدْرِكُ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَيُحْتَسَبُ لَهُ بِجَمِيعِ الرَّكْعَةِ، وَثَوَابِ سَائِرِهَا، وَإِنْ كَانَ مُدْرِكًا لِبَعْضِهَا، وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ والله أعلم.

مسألة:

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ كَانَ أَوْ يَسْتَكْمِلَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ فَيَعْلَمَ أَنَّ الْحَادِيَ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ رمضان لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوماً ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:

أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، إِذَا عُلِمَ دُخُولُهُ، وَالْعِلْمُ بِدُخُولِهِ يَكُونُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ إِمَّا رُؤْيَةُ الْهِلَالِ، أَوِ اسْتِكْمَالُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُجْرِ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَا أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَإِذَا وَقَعَ الْإِشْكَالُ بَعْدَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فِي عَدَدِ الشَّهْرِ عمل على اليقين وهو الثَّلَاثِينَ، وَأَطْرَحَ الشَّكَّ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ عَمِلُوا فِي صَوْمِهِمْ عَلَى الْعَدَدِ وَأَسْقَطُوا حُكْمَ الْأَهِلَّةِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " شهرا النسك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015