نعم، لا بأس من استخدام أي وسيلة تخدم المحاور الثلاثة، ولكن ليكن منطلقها القرآن، فالسيرة النبوية على سبيل المثال لها دور كبير في تقديم النموذج الذي كان عليه الجيل الأول .. هذه السيرة لابد أن تُربط بالقرآن وأن تُدرَّس كنموذج عملي تطبيقي له ..
والتاريخ الإسلامي كذلك، أما السنة فهي صنو القرآن، علينا أن نتعامل معها من هذا المنطلق ونعتبرها شارحة لما أُجمل بيانه في القرآن ..
إن الضامن الأكبر لاستمرار نمو الفرد وقيامه بتفيذ التوجيهات والتكاليف المختلفة، هو قوة إيمانه بالله عز وجل وتعلقه بالآخرة، وأفضل منبع مستمر ومتجدد للإيمان هو القرآن: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (الأنفال:2). فالقرآن له قدرة عجيبة على استثارة المشاعر، والسيطرة عليها، وتوجيهها لله عز وجل وليس ذلك فحسب، بل إن للقرآن خاصية عجيبة - لا توجد في غيره - وهي قدرته على جعل من يتعامل معه بطريقة صحيحة في حالة دائمة من الهمة والنشاط والتوقد والإيجابية، وذلك من خلال توليده المستمر للطاقة داخل نفس صاحبه كلما قرأه وتجاوب معه وتأثرت به مشاعره .. هذه الطاقة ستدفعه ليصرفها في أعمال البر المختلفة، والتي دلَّ عليها القرآن، مما يجعله أكثر الناس عملًا وإنتاجًا مع نفسه، ومع أهله، وفي محيطه الدعوي، لذلك ينبغي أن يكون الجهد الأكبر في البداية منصبًا على العودة الحقيقية للقرآن والانتفاع بمعجزته، والدخول في دائرة تأثيره وورود منابع الإيمان فيه، فإذا ما تم ذلك كان استكمال المحاور الثلاثة (الإيمان، التزكية، الفهم) من أسهل ما يكون.
ومما ينبغي الإشارة إليه أن العودة إلى القرآن لا تعني أن يضع الفرد لنفسه برنامجًا يحفظ من خلاله القرآن في مدة وجيزة، أو يختمه في أيام، بل المقصد أن يعود إلى القيمة الحقيقية للقرآن والتي أنزله الله من أجلها كأداة ووسيلة ربانية للهداية والشفاء والتقويم والتغيير .. قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء:9).
هذا هو دور القرآن الحقيقي، وما قراءته أوحفظه إلا وسائل لتيسير الانتفاع بمعجزته، ومعنى ذلك أنه ينبغي على الجيل الموعود بالنصر والتمكين أن يقبل على القرآن بكيانه، وأن يُفرِّغ له أكبر وقت لديه، وينشغل به، ويجعله مصدره الأول للتلقي، ومما يعينه على ذلك أن يُخصص له وقتًا كل يوم، وأن يقرأه في مكان هادئ بعيدًا عن الضوضاء لتحسن استفادته منه، والتعبير عن مشاعره تجاه الآيات بالبكاء والدعاء، وعليه كذلك أن يهيئ قلبه قبل التلاوة بتذكر الموت والآخرة فقد قال تعالى: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} (ق:45).
ومع هذه الوسائل، ينبغي أن تكون القراءة بهدوء وترسل وترتيل، وكذلك بتركيز وبدون سرحان، وأن يجعل المعنى الإجمالي للآية هو المقصود، ولا يتوقف عند تفسير كل كلمة، بل ينبغي عليه أن يسمح لآيات القرآن أن تنساب داخله ويتصاعد تأثيرها شيئًا فشيئًا حتى تسيطر على المشاعر وتوجهها لله عز وجل، وهذا هو المقصد الأسمى من القراءة، فالتدبر وحده لا يكفي، بل لابد من التأثر والذي من خلاله يزداد الإيمان، وتتولد الطاقة ويحدث التغيير القويم.
وعندما يجد أحدنا قلبه ينفعل ويتحرك مع آية من الآيات فعليه أن يرددها مرات ومرات، لأنه كلما فعل ذلك ازداد الإيمان في قلبه .. هذا الترديد لا يوجد له حد أقصى، فطالما وُجد التجاوب استمر الترديد، فإذا توقف التجاوب، انتقلنا إلى ما بعدها من آيات.