ليس معنى ذلك أخي القارئ أن المطلوب من جيل الأمل ألا يتزوج أو يعمل أو ... ولكن المقصد أن يهيئ نفسه للدور العظيم المنوط به، وأن يستشعر أهمية هذا الدور وبأنه يسبق في الأهمية أي شيء آخر، وأن يعمل قدر جهده على استكمال ما ينقصه من الصفات السابق ذكرها، وذلك قبل دخوله إلى معترك الحياة وتعلق قلبه بالدنيا.
فمما لا شك فيه أنه إذا ما دخل إلى معترك الحياة بعد أن يخطو خطوات كبيرة في مجال بناء ذاته، واستكمال ما ينقصه، واستشعار بثقل الأمانة الملقاة على عاتقه .. لا شك أنه سيُكيِّف حياته تبعًا لواقعه ووقته الذي أوقفه لله .. فهو ليس شخصًا عاديًا ينحصر دوره في الحياة أن يعمل ويتزوج ويكون له أولاد يسعى من أجل تأمين مستقبلهم الدنيوي، ثم يموت ..... كلا، فهدفه السامي في الدنيا هو إيقاظ أمته وتوجيه عاطفتها وقيادتها في الضراء والسراء.
هذه الهدف يستدعي منه أن يُطوِّع كل ظروفه لخدمته.
نعم، سيتزوج ولكنه سيختار زوجة تعينه على تحقيق هدفه، وسيبحث عنها كثيرًا حتى يجدها مثله، تسعى مثل سعيه وتفكر مثلما يفكر، ليبدأ معها في تكوين البيت المسلم القدوة، الذي يهتم بقضية واحدة هي قضية الإسلام ..
لن يهتما بأن يكون مسكنهما واسعًا أو ضيقًا، وفراشه حديث أم قديم .. فمسكنهما ما تيسر، وملبسهما ما تهيأ .. يتحملان شظف العيش، والحياة الخشنة الناتجة من قلة دخل الزوج الذي ارتضى بأن يعمل بوظيفة بسيطة لا تستغرق منه وقتًا طويلًا بعد ذلك للمهمة الأعظم المنتدب إليها.
أما أولادهما فسيعملان سويًا على تربيتهما على حب الله والتعلق به، والتشمير للجنة، والزهد في الدنيا، والحذر من أنفسهم، ليكونوا معهما بعد ذلك من أبناء الجيل الموعود.
هذه الأجيال الشابة الواعدة من المناسب أن يتم التركيز معها على المحاور الثلاثة التي تنطلق منها صفات الجيل الموعود وهي:
أولًا: إيمان عميق بالله وباليوم الآخر .. يحرك القلب فيربطه دومًا بالله عز وجل، ويجعل صاحبه يعبد ربه وكأنه يراه .. ويريط أحداث حياته به سبحانه.
المطلوب هو إيمان ينتج عنه تعظيم لقدر الله في النفس، ويدفعه إلى الحب والرجاء والإخلاص له سبحانه، كما يدفع إلى المساعرة في الخيرات.
ومع الإيمان العميق يأتي الإيمان باليوم الآخر كدافع يدفع العبد للتشمير والسعي الدءوب لبلوغ الجنة والنجاة من النار ..
ثانيًا: تزكية النفس مع الشح المجبولة عليه، وإزالة أي مظاهر لتضخمها والتي لو تُركت لأصبحت بمثابة الصنم الذي يشرك به الإنسان في عبادته مع ربه، وفي استعانته كذلك، وهذا أمر في غاية الأهمية، ويغفل عنه الكثيرون، فالإيمان وحده لا يكفي، بل لابد من أن يصاحبه جهاد للنفس على الصدق والإخلاص، وإلا استولت تلك النفس على الأعمال الصالحة، وحولت مسارها من مسار الإخلاص لله والعمل من أجل رضاه، إلى مسار يخدم حظوظها ويُعظَّم قدرها ...
أمر يحتاج إلى شدة انتباه، وتركيز، وبخاصة في البداية - في مرحلة التكوين الأولى - لأن الخروج بالدعوة وسط الناس سيُعرض صاحبه للمدح والثناء والأضواء ... وهذا إن لم يكن يصاحبه تواضع واستصغار لشأن النفس، ورؤيتها بعين النقص والحذر فسيكون وبالًا على صاحبه.
ثالثا: الفهم الصحيح للإسلام بشموله واعتداله وتوازنه، والتعرف على فقه المقاصد والموازنات والأولويات، وكذلك الواقع الذي يحيط بالداعية.
هذه المحاور الثلاثة لابد وأن يكون منطلقها الأساسي هو القرآن، فالقرآن هو المصنع الرئيسي للتغيير - كما مر علينا - وبدونه لن يكون النتاج كاملًا، ولن تكون الثمار ناضجة.