ومع المنهج والمربي يبقي العنصر الثالث في عملية تكوين الجيل الموعود بالنصر والتمكين ألا وهو الجو التربوي، والوسط الذي يتم فيه التكوين، والناظر لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والطريقة التي تم بها تكوين هذا الجيل الفريد يلحظ أنه صلى الله عليه وسلم، لم يكن يكتفي بإسلام الفرد بل كان يأخذه إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم ليكون مع إخوانه يتعلم ويتزكى، ويتآخى معهم.
يقول منير الغضبان: "أصبحت دار الأرقم مركزًا جديدًا للدعوة يتجمع فيه المسلمون ويتلقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جديد من الوحي، ويستمعون له - عليه الصلاة والسلام - وهو يذكرهم بالله ويتلو عليهم القرآن، ويضعون بين يديه كل ما في نفوسهم وواقعهم فيربيهم - عليه الصلاة والسلام - على عينه كما تربَّى على عين الله عز وجل" (?).
وكانت المادة الدراسية التي قام بتدريسها النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم: القرآن الكريم، فهو مصدر التلقي الوحيد، فقد حرص الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على توحيد مصدر التلقي وتفرده، وان يكون القرآن الكريم وحده هو المنهج والفكرة المركزية التي يتربى عليها الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، والجماعة المسلمة، وكان روح القدس ينزل بالآيات غضة طرية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعها الصحابة من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، فتُسكب في قلوبهم، وتتسرب في أرواحهم، وتجرى في عروقهم مجرى الدم، وكانت قلوبهم وأرواحهم تتفاعل مع القرآن وتنفعل به، فيتحول الواحد منهم إلى إنسان جديد بقيمه ومشاعره، وأهدافه، وسلوكه وتطلعاته. لقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم حرصًا شديدًا على أن يكون القرآن الكريم وحده هو المادة الدراسية، والمنهج الذي تربى عليه نفوس أصحابه، وألا يختلط تعليمهم بشيء من غير القرآن (?).
وبعد الهجرة يتسع الوسط التربوي ليشمل الأنصار، فيتم التآخي بينهم وبين المهاجرين، وتستمر التربية في المجتمع المسلم الوليد، لتبدأ شيئًا فشيئًا تباشير فجر التمكين في الظهور.
نعم قد تكون صورة التربية اختلفت عما كانت عليه في دار الأرقم بمكة لكن جوهرها استمر من خلال المسجد، ومن خلال توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة ومعايشته لهم، وتفقده لأحوالهم ..
وخلاصة القول أن العناصر الأساسية التي ساهمت في تكوين الجيل الأول هي:
القرآن، والمربي، والوسط التربوي
ومن خلال هذه العناصر الثلاثة ظهرت في هذا الجيل الصفات المؤهلة للدخول في دائرة المعية والنصرة الإلهية، فأوفى الله بعهده معهم، ومكنهم في الأرض، وملكهم ممالكها.
نعم، أهم هذه العناصر - بلا شك - هو القرآن، ولِمَ لا وهو المعجزة الكبرى التي نزلت من السماء، والتي يكمن سرها الأعظم في قدرتها على إحياء القلوب وتغيير الأشخاص تغييرًا جذريًا ... ليأتي بعد ذلك المربي والوسط التربوي كعناصر محسِّنة وضابطة للتغيير الذي يحدثه القرآن.