ومما لا شك فيه أن القرآن لا يمكنه أن يقوم بدوره في التغيير مع أحد من الناس إلا إذا أقبل عليه إقبال من يريد الانتفاع الحقيقي بمعجزته - كما فعل الصحابة - وهذا يستلزم منه أن ينشغل بالقرآن انشغالًا شديدًا، وأن يجعله المصدر الأول والرئيسي للتلقي وبخاصة في فترة التكوين الأولى، وأن يكون همه عند تلاوته هو فهم معانيه، والتأثر بآياته وتحريك القلب بها، وأن يحذر من الاهتمام بلفظه فقط، وأن يتأنى في حفظ آياته قدر المستطاع ليتسنى له العمل بها، وأن يعمل دومًا على ربط القرآن بأحداث الحياة، وعليه أن يصبر على هذه الطريقة في التعامل حتى يمكِّن القرآن من تغيير اهتماماته وتصوراته، والسيطرة على مشاعره، وتمكين الإيمان بالله واليوم الآخر منها ليكون النتاج بعد ذلك: عبدًا مخلصًا لله عز وجل يردد قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ? لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:162، 163).