وعن عبد الله بن عبيد قال: "جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله ما لي لا أحب الموت؟ .. قال: (هل لك من مال؟) قال: نعم يا رسول الله، قال: (فقدم مالك بين يديك) .. قال: لا أطيق ذلك يا رسول الله، قال: (فإن المرء مع ماله، إن قدمه أحب أن يلحق به، وإن خلفه أحب أن يتخلف معه) " (?).

- ضبط الفهم وتعليم الحكمة:

كان صلى الله عليه وسلم حريًا على ضبط الفهم عند أصحابه، وتعليمهم الحكمة وفقه التعامل مع أحكام الدين واحتياجات النفس، فعندما بلغه تشديد عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - على نفسه قال له: (يا عثمان! أرغبت عن سنتي؟! فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر، وأنكد النساء، فاتق الله يا عثمان! فإن لأهلك عليك حقًا، وإن لضيفك عليك حقًا، وإن لنفسك عليك حقًا، فصُم وأفطر، وصلِّ ونم) (?).

انظر إليه وهو يعلم الصحابة الفهم الصحيح، وفقه الأولويات وذلك عندما رأوه يعطي للمؤلفة قلوبهم من الغنائم أكثر من بعض السابقين الأولين فيقول لهم: (إني لأعطي الرجل، وغيره أحب إلىَّ منه، خشية أن يكب في النار على وجهه) (?).

ولما فتح الله مكة وصارت دار إسلام، عزم صلى الله عليه وسلم على هدم الكعبة وردها إلى قواعد إبراهيم عليه السلام ومنعه من ذلك - كما يقول ابن القيم - مع قدرته عليه، خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر (?).

ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال للسيدة عائشة: (يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهُدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين، بابًا شرقيًا، وبابًا غربيًا، فبلغت به أساس إبراهيم).

ومما كان يعلمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأمته بعده أنه نهى أن تقطع الأيدي في الغزو (?)، خشية أن يترتب عليه ماهو أبغض لله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبًا (?).

- توظيف الطاقات وتوجيه الحركة:

ومع تعليمه صلى الله عليه وسلم ودلالته لأصحابه على أبواب الخير، ومع متابعتهم والقيام بما سبق بيانه من مهام، فإنه كذلك كان يوظِّف الطاقات، ويُنظم حركة الأفراد، فلقد أمر مجموعة منهم بالهجرة إلى الحبشة كمكان آمن يحميهم ويحمي الدعوة من الإبادة، وكان مما قاله صلى الله عليه وسلم: (إن بأرض الحبشة ملكًا لا يظلم أحد عنده فالحقوا ببلاده، حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه).

وبعد بيعة العقبة الثانية اختار صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ليرسله إلى يثرب يعلم ويدعو ..

وفي الأحزاب اختار حذيفة بن اليمان - دون غيره - ليأتيه بخبر المشركين، وفي خيبر أعطى الراية لعلي بن أبي طالب .. وأرسل صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل لدعوة أهل اليمن وتعليمهم ...

وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يُوظف الطاقات فيضع كل شخص في المكان المناسب لإمكاناته ..

من هنا يتبين لنا أهمية دور المربي ووظائفه، والذي تجلى بوضوح في أعظم مربٍّ شهدته البشرية ... محمد صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015