أما بالنسبة لصفات الاعتدال والتوازن، وما تثمر عنه من حكمة في التعامل مع أحداث الحياة، فما هي إلا نتاج طبيعي للفهم الصحيح للدين، قال صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) (?).
والمقصد من الفهم الصحيح للدين إدراك حقيقة شموله لجميع مناحي الحياة، ومعرفة مصادر الأحكام الشرعية ومراتبها، والتعرف كذلك على المصادر غير الشرعية التي يعتمد عليها البعض في تلقي الأحكام كالإلهام والرؤى ومدى خطورة ذلك.
والفهم الصحيح للدين كذلك يستلزم معرفة فقه الأولويات وكيفية الموازنة والترجيح بين المصالح والمفاسد إذا تعارضت فكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، ولكن العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين .. (?).
ومع فقه الأولويات هناك فقه المقاصد، وفقه الواقع، وفقه الخلاف .. كل هذه أمور من شأنها أن تكوِّن العقلية المتوازنة لأبناء الجيل الموعود بالنصر والتمكين.
من أهم وسائل تحقيق الفهم الصحيح للدين: القرآن الكريم، فهو كتاب يخاطب العقل، ويرسم فيه خريطة الإسلام بنِسَبِها الصحيحة، ويعطي لصاحبه تصورًا عامًا لكل ما هو مطلوب منه وعلاقته بكل شيء حوله، ولا يكتفي بذلك بل يضع كل أمر في حجمه المناسب له في شجرة الإسلام، فهو يرتب الأولويات، ويكوِّن العقلية المعتدلة المتوزانة، والتي تعطي كل ذي حق حقه .. قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة:269). قال ابن عباس: الحكمة: المعرفة بالقرآن (?).
ومع القرآن فهناك دراسات للعلماء حول أصول الفهم، ولعل من أبرزها ما كتبه الشاطبي في كتابه: الموافقات والإمام الشهيد حسن البنا في رسالة التعاليم، حيث وضع فيها أصولًا للفهم .. هذه الأصول قام بشرحها العديد من العلماء، وتشكل بصورة عامة الشخصية العلمية المتوازنة للمسلم.
ويحسُن كذلك دراسة فقه الأولويات والمقاصد، وفقه الخلاف، مع الأخذ في الاعتبار بأن تأصيل الفهم الصحيح للإسلام، وتعلم الحكمة في التعامل مع أحداث الحياة يحتاج - مع الوسائل السابقة - إلى معلم ومربّ يسقي هذا العلم إلى تلامذته ويتابعهم في تعاملاتهم مع مجريات الأحداث ليتأكد من حُسن تطبيقهم لصفة الاعتدال والتوازن.
الأخوة في الله ثمرة طبيعية من ثمار الإيمان به سبحانه، ولازمة من لوازمه، وكلما تمكن الإيمان من القلب ازدادت درجة الحب في الله، كما كان حال الأنصار مع المهاجرين، فلقد انعكست قوة إيمانهم بربهم على تعاملهم مع إخوانهم المهاجرين لدرجة أنهم آثروهم على أنفسهم مع ما كان بهم من فقر وحاجة.
إذن فصفة الأخوة والترابط نتاج للمحور الأول وهو معرفة الله عز وجل وما يؤدي إليه من قوة إيمان وحب له سبحانه، ومع ذلك فلابد لهذا الحب أن يترجم في صورة أفعال ترسخ مدلوله في يقين الإنسان، فكما أن الإيمان قول وعمل، فكذلك الأخوة ..
من هنا يصبح من الضروري وجود بيئة ووسط يتم فيه تطبيق وسائل وأعمال الأخوة من تكافل وإعانة، وإيثار، وسعي في قضاء الحوائج، و ...
ولابد من وجود بيئة ومحاضن يتم فيها تنمية الأخوة والترابط بين أبناء الجيل الموعود بالنصر والتمكين وإلا جفت الروح بين الأفراد ..
مما سبق ينبين لنا أن الوسائل التي تتحقق بها المحاور الأساية لتكوين الجيل الموعود تدور حول: حسن التعامل مع القرآن وكل ما يخدمه، حسن التعامل مع أحداث الحياة والاعتبار بها، الصحبة الصالحة.