(جيل متواضع)
من أهم الصفات التي ينبغي أن تتوفر في الجيل الموعود بالنصر والتمكين: التواضع، والتي يؤكد عليها ما جاء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (المائدة:54). فالذلة للمؤمنين وخفض الجناح لهم يدل على تواضع صاحبه.
وحقيقة التواضع أن يكون المرء عند نفسه صغيرًا ... وهي حالة قلبية يعيشها العبد وتظهر آثارها في سلوكه وتعاملاته مع ربه، ومع نفسه، ومع الناس.
تواضع العبد في علاقته مع ربه تنطلق من رؤيته لحقيقته وأصله، وأنه مخلوق عاجز، ضعيف، جاهل ... أصله هو التراب، والماء المهين ... وتنطلق كذلك من استشعاره لعظمة ربه، وجلاله، وكماله، وعظيم فضله عليه.
هذه الحالة القلبية ينبغي لها أن يترجمها العبد في صورة تذلل ومسكنة وخضوع لله عز وجل، وإظهار لعظيم افتقاره وحاجته إليه، وأنه مهما أوتي من أشكال الصحة أو القوة أو الجمال أو الثراء .. فهو كما هو: عبد ذليل لرب جليل، وأن هذه الأشياء لم تغير من حقيقته شيئًا.
وحقيقة التواضع مع النفس هو استصغار المرء لها، ورؤيتها بعين النقص، ووضعها دائمًا في منزلة أقل مما ينبغي أن تكون، وحسبك في ذلك ما فعله موسى - عليه السلام - عندما استصغر نفسه، واستكثر أن يتحمل الرسالة بمفرده، وطلب من ربه أن يساعده في حملها أخوه هارون - عليه السلام -: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُو} (القصص:34).
مع أن الواقع يدل على أنه - عليه السلام - قد قام بها خير القيام.
ومن صور تواضع المرء: عدم تقديم نفسه للقيام بعمل ما، وكذلك رؤيته لنفسه أنها ليست أهلًا للعمل الذي يتم ترشيحه له ....
ومنها أنه يمشي على الأرض هونًا، فلا يتبختر أو يختال.
- مع الناس:
تواضع المرء مع الناس ينطلق من رؤيته لهم على أنهم أفضل منه مهما كانت أعماله أو رتبته، فهو دائمًا ينظر إلى الجانب الإيجابي لكل من يتعامل معه ويستشعر أفضليته عليه.
ويظهر ذلك في سلوكه معه .. فهو لا يستنكف عن خدمة أهله، ويخفض جناحه للمؤمنين، ويجيب دعوة الفقراء والضعفاء، ويكثر من الجلوس مع المساكين، ويسعى في قضاء حوائج الناس و ... .
لقد تجلت هذه الصفة وظهرت آثارها بوضوح في جيل الصحابة رضوان الله عليهم ... انظر إلى أبي بكر رضي الله عنه وقد استمر في حلب الأغنام لجيرانه بعد توليه الخلافة، ويقول لهم بعد أن ظنوا أنه لن يستمر في ذلك: بل لعمري لأحلبنها لكم، وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خُلق كنت عليه، فاستمر يحلب لهم (?).
وفي أول خطبة بعد توليه الخلافة يقول للناس: قد وليت عليكم ولست بخيركم .. مع أنه - رضي الله عنه - خير الناس جميعًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه استصغار النفس.
وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يدخل بيت المقدس فاتحًا فماذا كان حاله؟