ودخل عليها ابن عباس رضي الله عنهما وهي تموت فأثنى عليها، فقالت: دعني منك، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسيًا منسيًا (?).

رابعًا: جيل عابد

قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ? إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} (الأنبياء:105،106).

- فجيل التمكين جيل عابد لله عز وجل ... كثير الذكر، كثير الطاعة، ... جيل تعرفه الملائكة، وتشهد له المساجد بأنه من عمَّارها وأوتادها.

- يبكر للصلاة، ويحافظ على السنن .. لا يفوته قيام الليل مهما كان تعبه ...

- له أوراد يحافظ عليها من نوافل وصلوات وكذلك الأذكار وقراءة القرآن.

- قرة عينه في الصلاة .. يطيل الركوع والسجود، ويكثر مناجاة ربه ..

- كثير الإنفاق .. كثير الصيام .. كثير الدعاء ..

- لا يشغله اهتمامه بالناس ودعوتهم عن اهتمامه بنفسه، فهو دومًا يحافظ على توازنه، وزاده الإيماني.

- هكذا كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم:

يصف علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الصحابة فيقول: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلم أر اليوم شيئًا يشبههم، لقد كانوا يُصبحون شُعثًا غُبرًا، بين أعينهم أمثال رُكب المعزى، قد باتوا لله سُجدًا وقيامًا، يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهَملَتْ أعينهم حتى تبلّ ثيابهم ... (?).

لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم شديدي الحرص على العبادة وعلى الصلاة وبخاصة صلاة الجماعة بالمسجد، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "من سرّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهن، فإن الله تعالى شرع لنبيكم - عليه الصلاة والسلام - سُنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهرَّ فيُحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف".

ويقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن (?).

- رهبان الليل:

ومع شدة حرصهم على صلاة الجماعة، كانوا كذلك حريصين على قيام الليل، وكانوا يتعاملون معه على أنه مصدر أنسهم وسعادتهم، ولم يكن يصرفهم عنه تعب ولا سفر .. .

فكانوا كما وُصفوا رهبانًا بالليل، فرسانًا بالنهار ..

يحيون ليلهم بطاعة ربهم، بتلاوة، وتضرع، وسؤال وعيونهم تجري بفيض دموعهم، مثل انهمال الوابل الهطال، في الليل رهبان، وعند جهادهم لعدوهم من أشجع الأبطال، وإذا بدا علم الرهان رأيتهم بصالح الأعمال.

جاءت هند زوج أبي سفيان - رضي الله عنه - زوجها صبيحة فتح مكة، فقالت له أريد أن أبايع محمدًا صلى الله عليه وسلم، قال أبو سفيان: قد رأيتك تكفرين، قالت: أي والله، والله ما رأيت الله تعالى عُبد حق عبادته في هذا المسجد قبل الليلة، والله إن باتوا إلا مصلين قيامًا وركوعًا وسجودًا (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015