كان بينه وبين الغلام الذي معه مناوبة .. فلما قرب من الشام كانت نوبة ركوب الغلام، فركب الغلام وأخذ عمر بزمام الناقة فاستقبله الماء في الطريق، فجعل عمر يخوض في الماء، ونعله تحت إبطه اليسرى، وهو آخذ بزمام الناقة، فخرج أبو عبيدة الجراح رضي الله عنه وكان أميرًا على الشام، وقال: يا أمير المؤمنين إن عظماء الشام يخرجون إليك، فلا يحسن أن يروك على هذه الحالة، فقال عمر: إنما أعزنا الله بالإسلام، فلا نبالي بمقالة الناس (?).

ومر يومًا على امرأة وهي تعصد العصيدة، فقال: ليس هكذا يُعصد، ثم أخذ المسوط، فقال: هكذا (?).

وعند موته - رضي الله عنه - قال لابنه عبد الله رضي الله عنه: اطرح وجهي يا بني بالأرض لعل الله يرحمني .. قال: فمسح خديه بالتراب (?).

ورُئي عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يركب على بغلة، وخلفه غلامه نائل وهو خليفة، ورُئي كذلك نائمًا في المسجد في ملحفة وليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين (?).

ولما بعث عمر أبا هريرة أميرًا للبحرين دخلها وهو راكب على حمار، وجعل يقول: طرِّقوا للأمير، طرّقوا للأمير (?).

وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لا يُعرف من بين عبيده أي من تواضعه في الزي (?).

وكان سلمان الفارسي رضي الله عنه أميرًا بالمدائن، ومر برجل من عظمائها قد اشترى شيئًا، فحسب سلمان حمالًا، فقال: تعالى فاحمل هذا، فحمله سلمان، فجل يتلقاه الناس ويقولون: أصلح الله الأمير، نحن نحمل عنك، فأبى أن يدفع لهم، فقال الرجل في نفسه: ويحك إني لم أسخر إلا الأمير، فجعل يعتذر إليه ويقول: لم أعرفك أصلحك الله، فقال: انطلق، فذهب به إلى منزله، ثم قال: لا أسخر أحدًا أبدًا (?).

سادسًا: الزهد في الدنيا

(جيل زاهد)

جيل التغيير جيل زاهد في الدنيا بمفهوم الزهد الحقيقي ألا وهو انصراف الرغبة عن الدنيا ومجافاتها كما قال صلى الله عليه وسلم: (مالي والدنيا ومالي!) (?).

وكيف لا يكون الجيل الموعود بالنصر والتمكين كذلك، وحب الدنيا والرغبة فيها من أهم العوائق التي تحول بين العبد وبين الدخول في دائرة المعية الإلهية. وما أصاب الأمة ما أصابها من ضعف وذل إلا بحبها للدنيا ورغبتها فيها، وإيثارها إياها على الآخرة، ولقد تنبأ رسولنا صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل: يا رسول الله! فمن قلة يومئذ؟ قال: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يُجعل الوهن في قلوبكم، ويُنزع الرعب من قلوب عدوكم، لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت) (?).

لابد إذن من توافر هذه الصفة في الجيل الموعود، وأن يخرج حب الدنيا من قلوب أبنائه ... عليه أن يكون شعاره في الحياة "ما قل وكفى خير مما كثر وألهى".

لا ينبغي عليه أن يفكر كثيرًا في المال، بل ينظر إليه على حقيقته في أنه وسيلة يستجلب بها حاجاته وحاجات أهله الأساسية، ويصون بها وجهه عن سؤال الناس واستجدائهم.

- طموح ولكن .. !!:

إن جيل التمكين جيل طموح، ولكن ماهي طموحاته؟! هل في العلاوة والمنصب والجاه .. هل في شراء أرض لبناء عقار لأبنائه؟! .... هل في زيادة رصيده في البنك؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015