قوله. وقال له العباس: يا بُنيَّ، إني أرى هذا الرجل " يعني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب " يختصُّك ويستشيرك دون من ترى من أبناء الصحابة من المهاجرين والأنصار، وإني موصيك بثلاث وفي رواية احفظ عني ثلاثا: لا تُفشينَّ له سِرّاً، ولا يُجربنَّ عليك كذبا، ولا تُغتابنَّ عنده أحدا. قال: فقال: يا أبه كلُّ واحدة منها خير من ألف. فقال: كلُّ واحدة منها خير من عشرة آلاف.
وكان عمر، رضي الله عنه، يحبُّه ويدينه ويقربُّه ويشاوره مع جلَّ الصحابة. وقال القاسم بن محمد: ما رأيت في مجلس أبن عباس باطلا قُطُّ. وما سمعت فتوى أشبه بالسنَّةِ من فتواه. وكان أصحابه يسمونه البحر والحبر. وقال أبو الزنَّاد عن عبيد الله: ما رأيت أحدا كان أعلم بالسنَّة، ولا أجلد رأيا، ولا أثقب نظرا من ابن عباس. ولقد كان عمر يُعدُّه للمعضلات مع اجتهاد عمر ونظره للمسلمين.
وعمى، رضى الله عنه، في آخر عمره. روي عنه أنه رأى رجلا مع النبي عليه السلام، فلم يعرفه. فسأل النبيَّ عليه السلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرأيته؟ ". قال: نعم. قال: " ذلك جبريل، أما إنك ستفقد بصرك ". فكان كما قال رسول الله عليه السلام. وهو القائل في ذلك في ما روي عنه من وجوه:
إن يأخِذ اللهُ من عينيَّة نورَهما ... ففي فؤادي وقلبي منها نورُ
قلبي ذكيٌّ وعقلي غيرُ ذي دَخَلٍ ... وفي فمي صارمٌ كالسيف مأثورُ
وهو القائل أيضا حين أسنَّ:
ما زلتُ أرمُقُ حبلَ الدهر منتظراً ... حتى بَليتُ وحبلُ الدهرِ ممدودُ