المثنى في سبعمائة من فرسان الأزد، وابن الحسن بن الشيخ في ألف من فتيانهم، والحزمي السعدي في ألف من أبناء اليمن، فقال سالم لمحمد بن المثنى: يا محمد، قل لهذا الملاح أن يخرج إلينا ــ يعني الكرماني ــ فقال محمد: يا ابن الفاعلة لأبي علي تقول هذا؟ ! ، واقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم سالم بن أحوز، وقتل من أصحابه زيادة على مائة، ومن أصحاب الكرماني زيادة على عشرين، وتستمر المواجهات الدامية بين الخصمين: أصحاب نصر وقد قتل منهم سبعمائة، ومن أصحاب الكرماني ثلاثمائة، ولم يزل الشر بينهم حتى خرجوا إلى الخندقين فاقتتلوا قتالا شديدا.

وهنا جاء دور المقولة السائرة: "الحرب خدعة" كان أبو مسلم الخراساني يراقب الموقف بين الطرفين، فلما استيقن أن كلا الفريقين قد أثخن أصاحبه، وأنه لا مدد لهم، جعل يكتب إلى شيبان ثم يقول للرسول: اجعل طريقك على مضر فإنهم سيأخذون كتبك، فكانوا يأخذونها فيقرؤونها؛ وفيها: إني رأيت أهل اليمن لا فاء لهم

ولا خير فيهم، فلا تثقن بهم ولا تطمئن إليهم، فإني أرجو أن يريك الله في اليمانية ما تحب، وإن بقيت لا أدع لها شعرا ولا ظفرا، ويرسل رسولا آخر بكتاب فيه ذكر مضر بمثل ذلك، ويأمر الرسول أن يجعل طريقه على اليمانية، حتى صار هوى الفريقين معه، وكتب إلى الكور بإظهار الأمر. . .، قلت: المكر والخديعة سبب كل فظيعة، كان هذا أسلوب أعداء عثمان لما زوروا عليه كتابا إلى واليه على مصر، فكان من البلاء ما كان بسبب ذلك الكتاب المزور. وأقبل ابو مسلم حتى نزل بين خندق الكرماني، وخندق نصر، وهابه الفريقان، وبعث إلى الكرماني إني معك، فانضم الكرماني إليه، فاشتد ذلك على نصر بن سيار، فأرسل على الكرماني ويحك لا تغتر! ، فوالله إني لخائف عليك وعلى أصحابك منه، فدخل مرو ونكتب كتابا بينن بالصلح، وهو يريد أن يفرق بينه وبين أبي مسلم، فدخل الكرماني منزله، وأقام أبو مسلم في العسكر، وخرج الكرماني حتى وقف في الرحبة في مائة فارس وعليه قرطق (?)، وأرسل إلى نصر: أخرج لنكتب بيننا ذلك الكتاب، فأبصر نصر منه غرة، فوجه غليه ابن الحارث بن سريج في نحو من ثلاثمائة فارس في الرحبة، فالتقوا بها طويلا، ثم إن الكرماني طعن في خاصرته، فخرَّ عن دابته، وحماه أصحابه حتى جاءهم ما لا قبل لهم به، فقتل نصر بن سيار الكرماني وصلبه (?).

فتأمل أيها القارئ الكريم كم يجر طلب الدنيا وملذاتها من البلاء وسفك دماء الأبرياء، وظلم الناس في أموالهم وأعراضهم، عجبا ثلاثة نفر: الكرماني، ونصر بن سيار، وأبو مسلم الخراساني، جروا البلاء الأعظم على الأتباع طلبا للإمارة وما يتبعها، وأخشى من تلوثهم بفكر الخوارج، وإن لم أقف على ما يؤكد ذلك، وعجبا لذلك الخليفة تجري في ولاياته الحروب الطاحنة ولا يحرك ساكنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015