فأبلغه ما شئت من خير وشر، فرجع إلى نصر فأخبره، فقال: عد إليه، فقال: لا والله وما بي هيبة له، ولكني أكره أن يسمعني فيك ما أكره، فبعث إليه عصمت بن عبدالله
الأسدي، فقال: يا أبا علي، إني أخاف عليك عاقبة ما ابتدأت به في دينك ودنياك، ونحن نعرض عليك خصالا، فانطلق إلى أميرك يعرضها عليك. . .، فلم يجبه، فأرسل إليه مرة ثانية قديدا، وقال نصر لقديد بن منيع: انطلق إليه، فأتاه فقال له: يأبا علي، لقد لججت وأخاف أن يتفاقم الأمر فنهلك جميعا، وتشمت بنا هذه الأعاجم. . .، وتقاول الخصمان: الكرماني الدوسي، ونصر بن سيار، وتبادلا الشتم بما ليس في كل منهما، ولكنها العداوة تظهر ما ليس بحق، ودارت بينهما الرسل فلم تجد نفعا مع شدة الكرماني، ولاسيما وقد صرح بما كان يرجو تحقيقه من الخليفة مروان قال: "كانت غايتي في طاعة بني مروان أن يقلد ولدي السيوف، فأطلب بثأر بني المهلب ـــ أبناء العم من ولد العتيك ـــ مع ما لقينا من نصر وجفائه وطول حرمانه، ومكافأته إيانا بما كان من صنيع أسْد إليه" وقد سعى الرسل بالصلح بين الخصمين إلى حد إجراء المصاهرة بينهما ـــ مع أنها لا تسمن ولا تغني من جوع ـــ إذ أتى رسول آخر هو عقيل الكرماني فقال: يا أبا علي، قد سننت سنة تطلب بعدك من الأمراء، وإني أرى أمرا أخاف أن تذهب فيه العقول، قال الكرماني: إن نصرا يريد أن آتيه ولا آمنه، ونريد أن يعتزل ونعتزل، ونختار رجل من بكر بن وائل، نرضاه جميعا، فيلي أمرنا جميعا حتى يأتي أمر من الخليفة، وهو يأبا هذا، قال: يأ ابا علي، إني أخاف أن يهلك أهل هذا الثغر، فأت أميرك وقل ما شئت تُجَب إليه، ولا تطمع شفهاء قومك فيما دخلوا فيه، فقال الكرماني: إني لا أتهمك في نصيحة ولا عقل، ولكني لا أثق بنصر، فليحمل من مال خراسان ما شاء ويشخص، قال: فهل لك في أمر يجمع الأمر بينكما؟ ، تتزوج إليه ويتزوج إليك، قال: لا آمنه على حال ـــ ومما زاد الأمر سوءا ـــ أنه لما عزل الخليفة منصور بن جمهور خطب نصر فقال: "قد علمت أنه لم يكن من عمال العراق وقد عزله الله، واستعمل الطيب ابن الطيب" فغضب الكرماني لابن جمهور، فعاد في جمع الرجال واتخاذ السلاح، واتَّبعه خلق كثير (?).
وهنا جاء دور الرماح والمجالدة بالسيوف، فاستخلص الكرماني مرو بعد قتل الحارث بن سريج، وتنحى نصر عنها، فأرسل إليه نصر سالم بن أحوز في رابطته وفرسانه، فوجد يحيى بن نعيم الشيباني واقفا في ألف رجل من ربيعة، ومحمد بن