إذا قيل: أخوك أم الذئب (?)،
حمله خلفه، وقد نقل تلك الأموال فأحرزها، ثم انطلق به يمر به على الناس، وكانوا يتحارسون مخافة الحرورية فيسأل عبيد الله أين نحن؟ فيخبره، فلما كانوا في بني سليم قال عبيد الله: أين نحن؟ قال: في بني سليم، قال: سلمنا إن شاء الله، فلما أتى بني ناجيه قال: أين نحن؟ قال: في بني ناجية، قال: نجونا إن شاء الله، فقال بنو ناجية: من أنت؟ قال: الحارث بن قيس، قالوا: ابن أختكم، وعرف رجل منهم عبيد الله فقال: ابن مرجانة! فأرسل سهما فوقع في عمامته، وكان مضى به الحارث حتى ينزله دار نفسه في الجهاضم، ثم قال عبيد الله: يا حارث، إنك قد أحسنت وأجملت، فهل أنت صانع ما أشير عليك؟ قد علمت منزلة مسعود بن عمرو في قومه وشرفه وسنه وطاعة قومه له، فهل لك أن تذهب بي إليه فأكون في داره، فهي وسط الأزد، فإنك إن لم تفعل صدع عليك أمر قومك، قلت: نعم، فانطلقت به، فما شعر مسعود بشيء حتى دخلنا عليه وهو جالس ليلتئذ يوقد بقضيب على لبنه، وهو يعالج خفيه قد خلع أحدهما وبقي الآخر، فلما نظر في وجوهنا عرفنا وقال: إنه كان يتعوذ من طوارق السوء، قال الحارث: لم أطرقك إلا بخير، وقد علمت أن قومك قد أنجوا زيادا فوفوا له، فصارت لهم مكرمة في العرب يفتخرون بها عليهم، وقد بايعتم عبيد الله بيعة الرضا، رضا عن مشورة، وبيعة أخرى قد كانت في أعناقكم قبل البيعة ـــ يعني بيعة الجماعة ـــ فقال له مسعود: يا حار، أترى لنا أن نعادي أهل مصرنا في عبيد الله، وقد أبلينا في أبيه ما أبلينا، ثم لم نكافأ عليه، ولم نشكر! ما كنت أحسب أن هذا من رأيك، قال الحارث: إنه لا يعاديك أحد على الوفاء ببيعتك حتى تبلغه مأمنه.
ثم قال الحارث: أفتخرجه بعد ما دخل عليك بيتك! قال: فأمره فدخل بيت عبد الغافر بن مسعود ـــ وامرأة عبد الغافر يومئذ خيرة بنت خفاف بن عمرو ـــ قال: ثم ركب مسعود من ليلته ومعه الحارث وجماعة من قومه، فطافوا في الأزد ومجالسهم، فقالوا: إن ابن زياد قد فقد، وإنا لا نأمن أن تلطخوا به، فأصبحوا في السلاح، وفقد الناس ابن زياد فقالوا: أين توجه؟ فقالوا: ما هو إلا في الأزد (?).