توثق، ومراعاة لحقوق ولي الأمر توقف أبو هريرة - رضي الله عنه - عن البوح بها في خلافة عمر - رضي الله عنه -، طاعة وبعدا الفتنة، وما أجمل قول علي - رضي الله عنه -: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله" (?)، فأبو هريرة - رضي الله عنه - سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يسمعه العديد من الصحابة - رضي الله عنهم -، ولاسيما الأنصار - رضي الله عنهم -، فلو حدّث بما يشير إلى تغير ما هم عليه من الألفة والإخاء، واجتماع الكلمة على كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لكان تهمة عظيمة لأبي هريرة - رضي الله عنه -، ولربما قتل بسبب ذلك، فلما وقعت أحداث الردة، ومن بعدها قتل عمر - رضي الله عنه -، واتسع الخرق على الراقع في عهد عثمان - رضي الله عنه -، حدّث أبو هريرة - رضي الله عنه - ببعض علمه المخزون، ومن ذلك أن أبا هريرة سمع صبيانا يقولون: "الآخر شر، الآخر شر" يعنون الآخر منهم، فقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "أي والذي نفسي بيده إلى يوم القيامة" (?).
قلت: صدق أبو هريرة - رضي الله عنه -؛ لأن تاريخ الأمة المحمدية يشهد على ذلك، فما مرّ على الأمة زمن إلا وأصابها ومن البلاء ما كان ثلما يبقى أثره إلى يوم القيامة، ولاسيما في عقيدتها، وكل بلاء فيما سوى الدين وإن جَلَّ فهو قليل، قال الزبير بن عدي رحمه الله: "أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج" فقال: «اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم - صلى الله عليه وسلم -» (?)، وكتب الفتن والملاحم مليئة بما بث أبو هريرة - رضي الله عنه - من مخزونه العلمي، وقامت الأحداث بعد ذلك شاهدة على ما أخبر به - رضي الله عنه -، وصدق ما نقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فكان أبو هريرة - رضي الله عنه - أحد الحفاظ المعدودين في الصحابة - رضي الله عنهم -، بل كان أحفظ الصحابة؛ لأنه كان يحضر ما لا يحضر سائر المهاجرين والأنصار؛ لا شتغال المهاجرين بالتجارة، والأنصار بحوائجهم (?).