العلوم الدينية، ممَّن شهد لهم بذلك جماعة أهل العلم بالحديث.
على أني لستُ أحب بثَّ ما عندي هنا في هذا أجمع، وإن كان حيث وجد الإخلاص يوم الفصاص القولُ أنفعُ، لكن في التلويح ما يُغني عن التصريح.
ولم يكن صاحبُ الترجمة رحمه اللَّه بالمتساهل في الوصف بهذه اللفظة، غير أنَّ العذر عنه ما قدمته، مع ما كان هو يحكيه لخواصّه في تأويل ذلك، وللناس أعذار لا يُطَّلع عليها.
وإذا تأملت قوله في ترجمة الحافظ ناصر الدين محمد بن عبد الرحمن بن زُريق الدمشقي من "معجمه" ما نصه: ولم أر في دمشق من يستحق اسم الحافظ غيره. مع أنه كان بها ابن الشرائحي الماضي، والشهاب الحُسباني الذي شهد فيه البُلقيني بأنه أحفظ أهل دمشق، والشهاب ابن حِجِّي، وغيرهم، علمت أنه لا يثبتها لإبراهيم العجلوني ونحوه، ويترك هؤلاء الفحول، فرجع الأمر إلى باب التأويل، واللَّه الموفق.
وقد سأل صاحبُ الترجمة شيخه العراقي عن أربعة من المحدّثين تعاصروا: أيُّهم أحفظ وأدرى بفن الحديث خاصة؟ ومَنْ منهم أولى أن يسمى حافظًا لاجتمع ما شرط الأئمة المتأخرون في حدِّ الحافظ، لا المتقدمون؟ وهم: العماد ابن كثير، والعلاء مُغَلْطَاي، والتقي ابن رافع، والشمس الحسيني، فأجاب: بأن أحفظهم للمتون ابن كثير، وأعلمهم بالأنساب مُغَلْطاي، على أغاليط تقع له في ذلك، وأكثرهم طلبًا وتحصيلًا للشيوخ، والمؤتلف والمختلف ابن رافع. وكان شيخنا التقي السبكيُّ يقدمه على ابن كثير، لأنه يرى أنه لا بدَّ من تقدُّم الطلب والرحلة على عادة أهل الحديث، وأما الحسيني فمتأخّر عن طبقتهم، وطلب بنفسه كثيرًا، وخرّج لبعض الشيوخ، ولنفسه معجمًا، وذيّل على "العِبَر" وشرح قطعة من "النَّسائي"، وقد أطلق على كل من المذكورين وصف الحفظ باعتبار غَلَبَةِ فنٍّ مِنْ فنون الحديث عليه. وأعرفهم بالطَّلب ابن رافع، ثم الحسيني.