يكن حفظُه على قدر تصانيفه، وقد كان إمام المذهب الشافعيِّ رضي اللَّه عنه، الذي كان في الفهم (?) والاستنباط بالمكان الذي رزقه اللَّه إياه، بحيث طبّق الأرض علمًا، وقال بعض المجتهدين: من فاته عقله يوشك أن لا يجده عند غيره، يقول على وجه التواضع والإنصاف، كما نقله الفخر الرازي في أول الباب العاشر من "مناقبه": لو كنت أحفظ لغلبتُ أهل الدنيا، وعقَّبه الفخر بقوله: والفهم غير الحفظ، والحكماء يقولون: إنهما لا يجتمعان على سبيل الكمال، لأن الفهم يستدعي مزيد رطوبة في الدماغ، والحفظ يستدعي مزيد يبوسة، والجمع بينهما محال.
ونحو تقديم شيخنا لابن الشرائحي على الدجوي، صُنعُ السبكي الكبير في تقديم ابن رافع على ابن كثير، وتبعه صاحب الترجمة، حيث قال: إن الإنصاف أنَّ ابن رافع أقرب إلى وصف الحفظ على طريقة أهل الحديث من ابن كثير، لعنايته بالعوالي والأجزاء والوفيات، والمسموعات دون ابن كثير، وابنُ كثير أقرب إلى الوصف بالحفظ على طريقة الفقهاء، لمعرفته بالمتون الفقهية، والتفسيرية، دون ابن رافع، فيجمع منهما حافظ كامل، قال: وقلَّ مَنْ جمعهما بعد أهل العصر الأول، كابن خُزيمة، والطحاوي، وابن حبان والبيهقي، وفي المتأخرين شيخنا العراقي.
قلت: وشيخنا القائل ملحِق الأواخر في الفنِّ بالأوائل، ولقد رأى رحمه اللَّه بخطِّي طبقة وصفتُ فيها بعض السامعين أو القارىء، بذلك، فعمل بخطه الحاء فاءً، والفاءَ ضادًا، وجوَّد الظاء لامًا، تنبيهًا للسالك.
هذا وقد وصف بخطه ذي الجودة والبهاء جماعةً من الآخذين عنه بها جريًا على سنن الشيوخ في تنشيط طلبتهم، ونظرًا إلى أنهم أبرعُ بالنسبة لمن في طبقتهم ويتأيَّد (?) بوصفه لأكثرهم (?) في وصيته -كما سيأتي- بطلبة الحديث المتحققين بطلبه، والاشتغال به أكثر من الاشتغال بغيره، من سائر