ومن ذلك ما كتب به في ربيع الأول سنة ثمانمائة بزبيد على "البديعية" التي نظمها الوجيه عبد الرحمن بن محمد بن يوسف العلوي، المسماة "بالجوهر الرفيع ودوحة المعاني في معرفة أنواع البديع ومدح النبي العدناني" ونصه:
الحمد للَّه الذي أتقن ما صنع أبدع إتقان، وأحسن كلَّ شيءٍ خلَقَه وخلقَ الإنسان، وصلى اللَّه على أشرف مُرسلٍ مفرد، لم يختلف في فضله من ذوي العقول اثنان، الذي نزّه تشريعه عن المراجعة والمناقضة، وجرّد تتميمه عن الاستدراك والمعارضة، فما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى، وما ظهر من معجزاته لامعة إلَّا وأخجلت نجمًا وقمرًا وبوحًا (?)، ففي محل ألفاظه إشاراتٌ خفيَّات، يتلمَّح معانيها أهلُ البيان، وفي أخباره معجزات شتَّى لا يختصُّ بها أهل زمان دون أهل زمان، ومنها قوله الصادق: "إنك إن تُعطَ الإمارة عن غير مسألة، تُعَنْ عليها يا عبدَ الرحمن"، وسلَّم اللَّه على رُوحه أتمَّ سلام، ورضي اللَّه عن آله وصحبه البَرَرةِ الكرام الخيرة الأعلام. آمين.
فأقول وإن لم أكُن مِنْ رجال هذا المجال المصيبين بنيل نبلهم مقاتل الأقوال: وقفت على هذا الجوهر الرفيع، وتفيَّأتُ ظلال هذه الدوحة، واجتنيت مِنْ زهرها المريع، ووقفت عنده وما وقفت عنه، وأطال ظامىءُ نظري الورود، وما ارتوى منه، ونثر (?) فكري لوصفه سهامَ الألفاظ مِنْ كنانته، فما أصاب الغرض، وعرض جنودَ المعني لمدح هذا الجوهر الفرد، فما قابله لما عرض، وقدحت زِنَادَ ذهني الكابي، فما أورى مِنَ القادح واستشعرت معثار إنساني، فتلا عليه العجز: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ} [الانشقاق: 6]، فلله درُّ منشىءٍ هذه المُلحة، والمتفضل بهذه المِنحة، لقد