وأضحت تصانيفُ الأدب الجليلة كالسِّجلِّ وتصنيفه (?) هذا الدَّقيق المعاني علامة، واحتوى على دائرة الأدب، فقلنا: البدرُ قد سكن داره، وتزيَّنَتْ به المعالي، واستبشرت، وليهنِها منه في الحالين بشارة، فلو رآه سحبان، لوافى لطلبِ آدابه مشمِّرًا، فقيل له: مِنْ أين، وإلى أين؟ والخليلُ بن أحمد صاحبُ العروض، لغرق في بُحور آدابه، وقدّم له ما يملكه مِنَ "العين"، وابنُ عبدِ ربِّه، لاعترف بأنه جمع الخرز في "عقده" وابن الصَّيرفي البليغ، لما ساوى معه حبّة، مع حُسن نقده. وأبو العلاء المعري، لأنشده هذا الناقد البصير:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وابن الرومى، لعرف الفرق ما بين العجميِّ في الفصاحة والعربي، أو سمع فصاحتَه كل بليغ، لأقرَّ أنَّه فنٍّ من اللسان محروم، ونادى في ظُلمة الغي: انظرونا نقتبس مِنْ نُور فصاحتكم يا بني مخزوم، فنزول الغيث قد أخجل النِّيل، والفاقد صبره للعجز عن مجاراته ينادي: كيف السبيل، ولا ريب عندَ صاحب الذَّوق أنَّ نقص خليل زاد، وأن هذا السيد هذب به من كلام الصلاح فساد، فلو صدر الصفديُّ إلى الدنيا بعد موته، لما وُجد منه إنكار وَرد، ولو رام أن يهادى هذا المولى لهدايته له إلى الصواب ببلده، لقال له: ما لنا حاجة منك بصفد.
على أنَّ هذا الصفدي كان كثيرًا ما يقدم على العلوم -كالنحو- من غير مبتدأ معرفة، ويستغني بتعديله وتجريحه، وتمريضه (?) وتصحيحه، فلا يثرى من صفة منصفة، ويرى أنَّه البصير بهذا، وهو في العمى ضائع العُكَّاز، لا زال مولانا جائدًا للطلبة بنقده آمنًا من السرار (?)، فلا يذوق (?) مرارة فقده، ولا برح بأنوائه وأنواره يُخجل الشمس والغيام، ودام سالمًا مِنَ النَّقص، فلا يخلو نعتُه -وهو البدر- مِنْ معنى الكمال والتمام، إن شاء اللَّه تعالى.