غلط، وليس في "ابن ماجه" ولا في غيره مِنَ الكتب الستة أحد اسمه قاسم بن عبد الكريم، وأيضًا فليس في سياق "ابن ماجه" ولا غيره أن الحديث -يعني الذي أورده- من رواية ابن عباس عن ابن مسعود، وليس لفظه مطابقًا للفظ سياق الترمذي، فقال الهروي لصاحب الترجمة. فما هو الصواب في هذا الإسناد؟ فقال له: تكتب ما قلت، وأنا أبيّن موضوع الغلط، ثم تحضر "ابن ماجه"، فإن كان كما قلت، وإلا تبيَّن خطؤك، ففعل وظهر الصواب مع صاحب الترجمة، فمال السلطان المؤيد حينئذٍ إليه، وصار يغمِزُه بعينه تارة، ويرسل إليه من يسرُّ إليه مِنْ خواصِّه أن لا يترك منازعة الهروي، فقوَّى قلبه بذلك.
وقال حينئذٍ مخاطبًا للهروي: أنت تدَّعي أنَّك تحفظ اثني عشر ألف حديث، وقد ارتاب مَنْ بلغه عنك ذلك في صحته، وأنا أمتحنُك بشيءٍ واحدٍ، وهو أن تسرُدَ لنا في هذا المجلس اثني عشر حديثًا، مِنْ كلِّ ألفِ حديث حديثًا واحدًا، بشرط أن تكون هذه الاثنا عشر متباينة الأسانيد، فإنْ أمليتَها علينا إملاءً أو سردتها سردًا، أقررنا لك بالحفظ، وإلَّا ظهر عجزُك، فقال: أنا ما أستطيعُ السَّردَ، ولكن أكتبُ، فقال له: والإملاء نظيرُ الكتابة، فقال: لا إلا أنا أكتب، فأحضر له في الحال محبرة وورقة، فشرع يكتب، ثم بدا له، فقال: لا أستطيع أكتب إلا خاليًا، فيأمر السلطان أن أختلي في بيت وأنت في بيت، ويكتب كلٌّ منَّا مِنْ حفظه ما يستطيعه، فمن كتب أكثر، كان أحفظ، فقال له صاحب الترجمة نحن لم نحضر لنتخابر في سرعة الكتابة، مع أنَّ شهرته بسرعة الكتابة غيرُ خفيَّة، ولكن إنما أراد إظهار عجزه عمَّا ادَّعاه من الحفظ. وطال الخَطْبُ في ذلك، والسُّلطان يُرْسل بعض خواصِّه لصاحب الترجمة يحضُّه على التكلُّم معه.
وآل الكلام إلى أن ذكر حديث السَّبعة الذين يُظلُّهم اللَّه في عرشه، فقال صاحبُ الترجمة: هل فيكم مَنْ يحفظُ لها ثامنًا؟ فقالوا: لا، فقال: ولا هذا الذي يدَّعي حفظ اثني عشر ألف حديث! فسكت، وقيل له: فهل تحفظ أنت ثامنًا؟ فقال: نعم، أعرفُ ثامنًا وتاسعًا وعاشرًا، وأعجب مِنْ ذلك أن في "صحيح مسلم" الذي يدّعي هذا الشيخُ حفظه كلَّه ثامنًا،