"القاموس"، وكان قاضي الأقضية بزبيد، ترك سلطان اليمن الناصر بن الأشرف الوظيفة شاغرة نحو سنتين ينتظر قدوم صاحب الترجمة عليه، ليولِّيه ذلك، فما وافق، فولَّى حينئذٍ الشهاب أحمد بن أبي بكر بن الردَّاد، إلى غير ذلك مما اشتهر، فاستعفى منَ التوجُّه عن السلطان فأُعفِيَ.
ثم عرض عليه المؤيدُ أيضًا في السنة المذكورة منصب القضاء بدمشق مرارًا، فامتنع وأصر على الامتناع، فراوده على ذلك، ورغَّبه فيه، حتَّى صرَّح له بأن للقاضي بدمشق في الشهر عشرة آلاف درهم فضّة معاليم قضاء وأنظار، وبالغ -مع ذلك- صاحبُ الترجمة في الاستعفاء، إذ لم يكن له أرب حينئذٍ إلَّا في العكوف على التصنيف والإفادة ونشر العلم، شكر اللَّه سعيه ورفع محلَّه، آمين.
وأنشد حينئذٍ قوله:
قد صدَّني عَنْ منصبِ الحكم عشرةٌ ... فأوَّلُها ضعفي وقلَّة أموالي
وعجزي عَن إرضاء ربي وصاحبي ... ومالكِ أمري مع حواشيه في الحالِ
وعجزي عن إصلاح ما أفسد الأُولى ... مَضَوْا ومساواتي برُغمي بأنذالِ
ونسيان علمٍ نافعٍ لزخارف تضرُّ ... وأخشى حين أُعْزِل إذلالي
وكان اشتهارُ أمره عند المؤيد مِنْ قبلُ بسنة، فإنه لمَّا عُقد مجلس المناظرة للهروي بين يديه في أواخر ربيع الأول سنة ثمان عشرة وثمانمائة بحضور القُضاة الأربعة ومشايخ الفنون مِنَ العلماء، كان منهم صاحب الترجمة، فكان هو القائم بأعباء المناظرة، فإنَّ أول شيء سُئل عنه الهروي: على مَنْ سمع "الصحيح"، فذكر سندًا، فقال له صاحب الترجمة في ذلك المجلس الحافل: أولادنا يروون "الصحيح" إلى أبي الوقت بمثل هذا العدد برجالٍ أشهر مِنْ هؤلاء، ثم أورد الهروي مجيبًا مَنْ سأله حديثًا من "ابن ماجه"، وسمَّى مِنْ رجال السند قاسم بن عبد الكريم، عن حنش، عن ابن عباس، عن ابن مسعود رضي اللَّه عنهم، وأورده مِنَ "التِّرمذي" أيضًا، فقال له صاحب الترجمة: الإسناد الذي سُقْتَه لابن ماجه