حتى مات في صفر سنة ثلاث وسبعين، ومات له قُبيل ذلك ولد كان يرجو بقاءه بعده ليحُوز جهاته، فاشتد جزعُه عليه. وقد اجتمعت بالشطنوفي وهو في هذه الحالة مرارًا، فرأيتُه يبالغ في الترحُّم على شيخنا، وأنه ليس عنده أعظم منه ولا أرفع. قال: وليس -واللَّه- في جهته شيءٌ، وما أفسد ذلك سوى ابن عبد العزيز وابنه، عفا اللَّه عنهما، وإيانا.
وكان رسول القاياتي يطلب ولد صاحب الترجمة من أبيه الشرف يحيى ابن الشيخ محب الدين البكري أحد المستقرِّين في النقابة عند القاياتي، وأنكر الناسُ مجيئه في هذا الأمر، خصوصًا وهو ممَّن قرأ على شيخنا نحو النِّصف من "البخاري"، وكان والده مِنْ خواصِّه الملازمين عنده مجلسَ الإملاء، وكأنه ما علم أنَّ "أبرَّ البرِّ أن يصلَ الرجلُ أهل ودِّ أبيه" [وفي لفظ: "مِنْ أبر البرِّ أن تصل صديق أبيك". وكذا في الحديث: "احفظ ودَّ أبيك لا تطفئه فيطفىء اللَّه نورك" في أشباه هذا] (?)، وأنَّ شيوخ المرء آباءٌ له في الدِّين. رحمهم اللَّه أجمعين.
[ونحو ذلك حكاية العزِّ الكناني قاضي الحنابلة لي غير مرَّة أنه لو لم يخذل البقاعي بباب القاياتي في كائنته مع الولوي البلقيني التي انجرَّ الخوضُ فيها إلى الإحاطة بالخنجر الذي جرت عادتُه بحمله، حيث أبرزه له بيده، كما وقع له مع ابن أبي السعود، بَرَكَ عليه والخنجرُ بيده، لكونه جلس فوقه، كما أوضحتُ ذلك في محلِّه، لكان أكبر المنارعين لشيخنا عنده، ولكن كان ذلك مِنْ كرامات صاحب الترجمة] (?).
ومما كتب به صاحبُ الترجمة لبعض مَنْ قام بتأييد ولدِه في هذه الكائنة، ثم رام منه الأعداءُ العدول عن ذلك قوله:
قل للذي أبدى الجميل سماحا ... فأمالَهُ الحُسَّادُ لما ارتاحا
حتى محا إحسانَه بخلافه ... فتبدَّلت أفراحُنا أتراحا
واللَّه يشهدُ أنَّني لك شاكرٌ ... ما أعقبت أمساؤنا أصباحا