والقاريء يجلسان عند الشّباك دون مصطبة تحت الشباك المذكور، وكان يجلس فيها مؤدبُ صاحب الترجمة ومن يدرس معه. فكان المؤدب يأمرهم عند قراءة القارىء بالإنصات إلى أن يفرغ حتى ختم الكتاب. لكن كان صاحب الترجمة ربما خرج لقضاء حاجة ولم يكن هناك ضابطٌ للأسماء، والاعتماد في ذلك كان على الشيخ نجم الدين المرجاني، فإنه أعلمني بعد دهر طويلٍ بصورة الحال، فاعتمدت عليه وثوقًا به.
قلت: وقد صارت الدار المشارُ إليها بعد الثلاثين وثمانمائة مدرسةً لصاحب كلبرجة.
وحضر مجلس الختم الشيخ جمال الدين إبراهيم بن محمد الأميوطي، وكان صاحب الترجمة يشكُّ في إجازة الأميوطي له، من أجل أنه ليس على يقين مِنْ سماع مجلس الختم، لكونه لم يعلم ما فاته على النشاوري منه. واللَّه أعلم.
ثم وصل صحبة وصيّة إلى مصر محل إقامته - في سنة ست وثمانين، فحفظ كتبًا من مختصرات العلوم، "كالعمدة" و"الحاوي الصغير"، كتاب أبيه، و"مختصر ابن الحاجب الأصلي". و"المُلحة" للحريري، وغيرها. وعرضها -على العادة- على جماعة مِنْ أئمَّة العصر، وكتبوا خطوطهم له بذلك.
وكان رحمه اللَّه رزق في صغره سرعة الحفظ، بحيث كان يحفظ كلَّ يومٍ نصف حزب، وبلغ من أمره في ذلك أنَّه حفظ سورة مريم في يوم واحد، وأنه كان في أكثر الأيام يصحح الصفحة من "الحاوي الصغير" ثم يقرأها تأمُّلًا مرةً أخرى، ثم يعرضُها في الثالثة حفظًا. ولم يكن -رحمه اللَّه تعالى- حفظه بالدَّرس (?) على طريقة الأطفال، بل كان حفظه تأمُّلًا، كما