وكذا كان الحسنُ بن أبي عباد (?) -وهو إمام النحو في قُطْرِ اليمن في زمنه- إذا تكلم بين العامة لا يتكلف الإعراب بحيثُ إذا سمعه مَنْ لا يعرِفه مِنَ الفُقهاء يقول: ما عَرَفَ هذا مِنَ النَّحو شيئًا، فعاتبه بعض أصحابه في ذلك، فقال:
لعمرك ما اللَّحْنُ مِنْ شيمتي ... ولا أنا مِنْ خطأ ألْحَنُ
ولكن عَرَفْتُ لغاتَ الرِّجالِ (?) ... فخاطبتُ كلًّا بما يُحْسِنُ
ولأبي الطَّاهر محمد بن محمد بن محمد بن بنات الأنباري الكاتب:
إن شِئْتَ أن تُصْبِحَ بين الورى ... ما بين ممقوت ومُغْتَابِ
فكُنْ عَبُوسًا حين تلقاهُمْ ... وخاطِبِ القَوْمَ بإعرابِ
قلت: والمتعاني ذلك في مخاطباته مِنْ أكثر مَنْ رأيناه يكثُر خطأه. وقد قال عمَّار بن عبد الجبار: سمعت أبا عصمة -يعني نوحَ بنَ يزيد الملقَّب بالجامع- يقول: ما أقبح اللَّحنَ مِنَ متَقَعِّرٍ. انتهى.
وكان رحمه اللَّه ذا بصيرٍ جيِّدٍ في تفصيل الثياب ونحوها، خبيرًا بأمر دُنياه وآخرته، حتى كان قليلَ الرغبة في العمارة، بل وفي شراء العقار غالبًا، وربما لام ولده على المبالغة في إنشاء الأماكن، ويقول له: إن كان ولا بدَّ، فالشراء، فيعتذر له عَنْ عدم [وجدانه الثمن] (?) دفعة واحدة.
وسمعته غيرَ مرَّة يقول: كلُّ مَنْ رأيناه مِنْ أعيان التُّجَّار وعظمائهم وكانوا يسَفِّهُون مَنْ يبني دارًا أو يشتري عقارًا، إلَّا أن يكون بثمنٍ بخس جدًا بالنِّسبة لما صرِف فيه، فإنَّ الدَّار التي تساوي ألفَ دينار تكرَى غالبًا بنحو الأربعين دينارًا, وإذا أديرَ هذا القدر في يد التَّاجر تزيد على أضعافِ ذلك،