يَقُولُ: إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيَّ هَذَا الْكِتَابَ كُلَّهُ، وَأَرْسَلَنِي بِكَذَا وَكَذَا إِلَى كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كَذَبَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ اللَّهِ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ أَرْسَلَهُ، فَإِنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ يُبَلِّغُ عَنْهُ مَا يَقُولُهُ، بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، وَإِرْسَالُ اللَّهِ لِلرَّسُولِ يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ:
إِنْشَاءَ اللَّهِ لِلرِّسَالَةِ، وَاللَّهُ حَكِيمٌ، وَهُوَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ، لَا يَجْعَلُهَا إِلَّا فِيمَنْ هُوَ مِنْ أَكْمَلِ الْخَلْقِ وَأَصْدَقِهِم.
وَيَتَضَمَّنُ إِخْبَارَ اللَّهِ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ عَلَيْهِ، فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنْهُ مِمَّا يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ بِهِ، فَكَمَا صَدَّقَهُ بِالْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ أَرْسَلَنِي، فَقَدْ صَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ: إِنَّهُ أَرْسَلَنِي بِهِ، إِذِ التَّصْدِيقُ بِكَوْنِهِ أَرْسَلَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِصِدْقِهِ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ - لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْإِرْسَالِ.
وَاللَّهُ تَعَالَى عَلِيمٌ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ لِمَنْ أَرْسَلَهُ بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ الَّذِي يَبْعَثُ مَنْ يَظُنُّهُ يَصْدُقُ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنْهُ، فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَذَبَ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ، وَالرِّسَالَةُ صَادِرَةٌ مِنْ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَهُوَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَمَنْ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ وَلَوْ فِي كَلِمَةٍ لَمْ يُبَلِّغْ عَنْهُ مَا يَقُولُهُ، عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يَكُونُ رَسُولَهُ.
وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْمِلَلِ عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ مَعْصُومُونَ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنِ اللَّهِ، لَا يَكْذِبُونَ عَلَيْهِ عَمْدًا وَلَا خَطَأً، فَإِنَّ هَذَا مَقْصُودُ الرِّسَالَةِ، فَكَانَ تَمْثِيلُ هَذَا بِالْوَثِيقَةِ تَمْثِيلًا بَاطِلًا، فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ لِلْإِسْقَاطِ لَمْ يَدَّعِ كَلَامًا