مَا يَقُولُهُ، لَكِنْ إِذَا كَذَبَ فِي بَعْضِ مَا يَقُولُهُ كَانَ كَاذِبًا، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُرْسِلُ مَنْ يَكْذِبُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَرْضَى أَنْ يُرْسِلَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْذِبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى جَهْلِهِ أَوْ عَجْزِهِ، فَكَيْفَ يُرْسِلُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْذِبُ عَلَيْهِ.
وَحِينَئِذٍ فَمَتَى كَذَّبُوا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا فِي الْكِتَابِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِشْهَادُهُمْ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ صَدَّقُوا بِالْكِتَابِ كُلِّهِ لَزِمَهُمُ الْإِيمَانُ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَاتِّبَاعُ شَرِيعَتِهِ، وَالِاعْتِرَافُ بِكُفْرِ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ، وَكُفْرِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَإِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ.
وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ آمَنَ بِالرَّسُولِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ بَعْضُ مَا نُقِلَ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي أَصْلِ إِيمَانِهِ بِالرَّسُولِ.
فَالْمُسْلِمُونَ إِذَا كَذَّبُوا بِبَعْضِ مَا نُقِلَ عَن مُوسَى وَالْمَسِيحِ فَهُوَ لِطَعْنِهِمْ فِي النَّاقِلِ، لَا فِي النَّبِيِّ الْمَنْقُولِ عَنْهُ.
وَأَمَّا النَّصَارَى فَيَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِالْقُرْآنِ، فَطَعْنُهُمْ فِي بَعْضِهِ طَعْنٌ فِي الرَّسُولِ نَفْسِهِ وَكُفْرٌ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا مَثَّلُوا بِهِ مِنَ الْوَثِيقَةِ الَّتِي كُتِبَ وَفَاؤُهَا فِي ظَهْرِهَا، فَإِنَّ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ الْمُسْقِطِ لَهُ، فَلَمْ يَبْقَ هُنَاكَ حَقٌّ لَهُ يَدَّعِيهِ، بِخِلَافِ مَا يُخْبِرُ بِهِ الَّذِي