حق له، وجائزة، فلا يكلف الانصراف إلى مكان آخر، أو لأنه دفع عن نفسه، والدفع عن النفس عند من يقول بجوازه وعدم وجوبه -على خلاف ما رجحناه- يقتضي ألا يلزم الهرب.
والرأي الذي أرى رجحانه هنا هو أنه إذا كان المصول عليه غير قادر على الدفع، ويخشى على نفسه أو عرضه أو ماله، ويتيقن من نجاة نفسه أو عرضه أو ماله بواسطة الهرب، حينئذ يلزمه الهرب.
أما إذا كان قادرا على الدفع، فإنه يلزمه الدفع، ولا يجوز له أن يهرب درءا للعدوان وتقليصا للإجرام، وكذلك الحكم إذا لم يتيقن نجاته بالهرب أو نجاة عرضه أو ماله، فإنه حينئذ يجب عليه الدفع بكل ما أوتي؛ إذ إن الأحاديث الواردة في هذا الباب كلها أمرت بالمدافعة ورد الاعتداء: "فقاتله" و "قاتل دون مالك"، وقياسه على الجهاد يلزمه الثبات؛ لأن المجاهد يجب عليه ألا يفر إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، أو متيقنا أن ترك القتال أكثر تحقيقا للمصلحة العامة.
ثالثا: أن يتم دفع الصائل حال قيام الاعتداء أو توقعه، أما إذا لم يكن هناك اعتداء أو توقع اعتداء فإنه لا يكون هناك سبب يبيح له الاعتداء عليه؛ إذ هو معصوم الدم لم يوجد ما يؤثر في عصمته.
وكذلك إذا ارتدع الصائل وعدل عن اعتدائه عادت إليه عصمة دمه فور حدوث ذلك، ولا يحل للمصول عليه الاعتداء عليه، فإن فعل كان مسئولا عن فعله مسئولية كاملة، فإن قتله اقتص منه، ولأنه لما اندفع اعتداؤه وشره لم تعد هناك حاجة ولا ضرورة إلى قتله، فعادت عصمته، فإذا قتله قتل نفسا معصومة ظلما فيقتص منه.