ولقد أوضح الفقهاء أن توقع الاعتداء كالاعتداء يعطي للمصول عليه حق الدفاع، والعبرة في ذلك هو تقدير المصول عليه المبني على أسباب معقولة، فلا يصح أن يقدم إلا مع العلم أو الظن بأنه يقصده بالاعتداء لا التوهم، فإذا تحقق ذلك أمكنه أن يبدأ متدرجا في الأساليب، حتى ولو أدى ذلك إلى قتله، أما لو اندفع الاعتداء كأن فر أو وقع في ماء أو نار أو انكسر رجله أو حال بينهما حائل من جدار أو نحوه، فإنه يعود معصوما كما كان قبل العدوان، وكذا إذا لم يكن هناك توقع للاعتداء.
ثانيا: أن يرد المصول عليه الاعتداء بأخف الأضرار، وأول هذه المراحل وأسلمها أنه إذا كان الصائل مكلفا ناشده الله ثلاثا أن يكف عن الاعتداء؛ لما رواه النسائي عن أبي هريرة: "أن يناشد صاحب المال اللص بالله تعالى -ثلاثا- قبل قتاله" تذكيرا وإنذارا؛ لكي يبتعد ويكف عن الاعتداء، فإن لم يرتدع كان للمعتدَى عليه أن يرده عن اعتدائه1، بادئا بأخف ما يمكن دفعه به، فإن أمكن دفعه بكلام أو استغاثة بالناس حرم الدفع بالضرب، وإن أمكن بيد حرم بسوط، وإن بسوط حرم بعصا، وإن أمكن بجرح حرم قطع عضو، وإن بقطع حرم القتل؛ لأن ذلك أبيح للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، فلا ضرورة في الأثقل مع إمكان تحصيل المقصود بالأسهل، فإذا خالف المصول عليه وعدل إلى رتبة أعلى مع إمكان الاكتفاء بالأدنى كان ضاما لما أتلف من نفس أو دونها، ووجب القصاص إذا كان عمدا2.