"من أذل عنده مسلم فلم ينصره، وهو قادر أن ينصره، أذله الله على رءوس الخلائق يوم القيامة"، كما أن الحنابلة قالوا: إنه يلزم الدفع عن غيره في غير فتنة، أما في الفتنة فقد أجازوا ذلك، ومستندهم في هذا هو نفس الأدلة التي سأقوها في الدفاع عن النفس، وقد رأينا رجحان رأي من رأى وجوب الدفاع عن النفس هناك؛ لما ساقوه من أدلة، وأما الفتنة فإنما قصد بالحديث الوارد بشأنها ترك القتال في الفتنة، وكف اليد عند الشبهة، فأما من استحق القتل بصياله على نفس الغير أو حريمه أو ماله، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم ينفه بذلك الحديث.

وأما الدفاع عن مال الغير، فقد اختلف الفقهاء في وجبه، فيرى الحنابلة والشافعية جوازه، غير أن الغزالي أوجبه على القادر على ذلك؛ حيث قال: "مهما قدر على حفظ مال غيره من الضياع من غير أن يناله تعب في بدنه أو خسران في ماله، أو نقصان في جاهه، وجب عليه، وهو أقل درجات حقوق المسلم، وهو أولى بالإيجاب من رد السلام"، وكذلك يرى جمع من الفقهاء وجوبه -ومنهم الحنفية والمالكية- كما هو ظاهر تعميمهم الحكم، فإنهم لم يفرقوا في الحكم بين دفاع الإنسان عن عرضه ونفسه وماله، أو عرض الغير ونفسه وماله، فأوجبه الحنفية والمالكية -وكذا الإمامية- عند الضرورة.

ويرى الزيدية أن دفعه واجب، وقتله جائز إذا لم يندفع بغيره؛ لعموم قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} الآية 194 من سورة البقرة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، والصائل ظالم فيمنع من ظلمه، وذلك نصره.

وجاء في تبيين الحقائق عن محمد عن أبي حنيفة في رجل شهر على المسلمين سيفا، قال: حق على المسلمين أن يقتلوه، ولا شيء عليهم؛ وذلك لأنه لما شهر عليهم السيف وقصد قتلهم صار حربا عليهم، فكان كالباغي فبطلت عصمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015