ويرى أبو يوسف أنه يجب الضمان في الدابة، ولا يجب في الصبي والمجنون؛ وذلك لأن فعل الصبي أو المجنون معتبر في الجملة؛ ولهذا إذا أتلفا مالا أو نفسا، وجب عليهما الضمان، أما فعل الدابة فإنه غير معتبر أصلا، حتى لا يعتبر في حق وجوب الضمان؛ لأن العجماء جبار، وكذلك فإن عصمة المجنون والصبي لحقهما، وعصمة الدابة لحق مالكها، فكان فعلهما مسقطا لعصمتهما فلا يضمنان، وتضمن الدابة.
ويرى جمهور الفقهاء "المالكية والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، والزيدية، والإمامية، وإسحاق" أنه لا ضمان فيما يترتب على دفع الصائل من قتل أو جرح أو إتلاف سواء كان مسلما أو كافرا، عاقلا أو مجنونا، صغيرا أو كبيرا، قريبا أو أجنبيا، آدميا أو غيره، فلا قصاص ولا دية ولا كفارة ولا قيمة ولا إثم؛ لأنه مأمور بدفعه، والأمر بالدفع يتنافى مع الضمان، أو لأن المصول عليه وجب عليه -أو أجيز له- الدافع عن نفسه فكان فعله مطلوبا شرعا أو مباحا، ولا يترتب على شيء من ذلك ضمان.
وأيضا فإن غير المكلف يقاس على المكلف في عدم الضمان، ولأنه قتله لدفع شره، وإذا قتله لدفع شره كان الصائل هو القاتل لنفسه، فأشبه ما لو نصب حربة في طريقه فقذف نفسه عليها فمات بها.
وأما قولهم: إنه يقاس على المضطر إلى أكل طعام غيره في الضمان، فهو قياس مع الفارق؛ لأن الطعام لم يلجئه إلى إتلافه، ولم يصدر منه ما يزيل عصمته، كما حدث هنا في الحيوان أو غير المكلف.
ولهذا لو قتل المحرم صيدا لصياله لم يضمنه، ولو قتله لا ضطراره إلى أكله ضمنه، وأما قولهم: إن الصائل غير المكلف يجوز قتله ويضمنه؛ لأنه لا يملك إباحة نفسه، فإن المكلف لا يملك إباحة دمه، ولو قال: أبحت