ويرى المالكية والإمامية أنه إذا خاف بتلف المال هلاك نفسه، أو أهله أو شدة أذى، وجب عليه الدفاع عن ماله، ولو أدت المدافعة إلى قتل الصائل، فإن لم تكن هناك ضرورة إلى ذلك جاز الدفع، وأدلتهم هي نفس الأدلة التي سقناها في بداية هذا البحث من الآيات والأحاديث.
وأما الشافعية، فقد فصلوا في الحكم بين الأموال التي فيها روح والتي لا روح فيها، وبين الأموال التي تعلق بها حق الغير، والتي لم يتعلق بها هذا الحق، فأما ما فيه روح من الأموال فيجب الدفع عنه إذا قصد إتلافه -ما لم يخش على نفسه أو عرضه- لحرمة الروح، حتى لو رأى أجنبي شخصا يتلف حيوان نفسه إتلافا محرما وجب عليه دفعه على الأصح في أصل الروضة. وكذلك يجب الدفع عن الأموال التي تعلق بها حق الغير، كرهن وإجارة، وقال الغزالي: وإن كان مال محجور عليه أو وقف أو مال مودع وجب على من بيده الدفع عنه، فأما غير ذلك من الأموال فيجوز الدفع عنه ولا يجب؛ لأن هذه الأموال يجوز إباحتها للغير بخلاف الأموال التي سبق ذكرها لمكان الروح منها، أو تعلق حق الغير بها.
وأرى رجحان الرأي القاضي بوجوب الدفاع عن المال مطلقا؛ لأن الأدلة لم تفرق بين مال فيه روح ومال لا روح فيه، ولا بين مال تعلق به حق الغير ومال لم يتعلق به هذا الحق، وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ذلك واضح؛ حيث عبر في حديث أبي هريرة بصيغة الأمر بقوله: "فقاتله"، وفي الحديث الذي رواه قابوس بقوله: "قاتل دون مالك ... "، وقوله فيما رواه أبو داود: "من قتل دون ماله فهو شهيد".
فالأدلة جميعها عامة في كل صور المال، لا فرق بين مال ومال، وأيضا فإن الأموال جميعها فيها حق لمالكها، وفيها حق للغير، وحق للمجتمع؛ إذ الأموال هي ثروة المجتمع ونتاج جهوده بالتعاون والتآزر والعمل، كل