لئن بدأتني بقتل لم أبدأك به، ولم يرد: أني لا أدفعك عن نفسي إذا قصدت قتلي، فروي أنه قتل غيلة، بأن ألقى عليه صخرة وهو نائم، فشدخه بها.

ولو ثبت صحة ما روي عن الحسن ومجاهد أنه كتب عليهم -أي على آدم وبنيه- إذا أراد رجل قتله أن يتركه ولا يدفعه عن نفسه، قال أبو بكر: وجائز في العقل ورود العبادة بمثله1، فإذا ثبت هذا كان منسوخا لا محالة بشريعة نبينا -صلى الله عليه وسلم- بما ورد من الآيات والسنة واتفاق المسلمين على أن على سائر الناس دفعهم عنه، وإن أتى ذلك الدفع على نفس الصائل.

وأما حديث أبي ذر الذي فيه: "وإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف" فإنما عَنَى به ترك القتال في الفتنة وكف اليد عند الشبهة، فأما قتل من استحق القتل فمعلوم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينفه بذلك.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "كن كخير ابني آدم" فإنما عنَى به ألا تبدأ بالقتل، وأما دفع القاتل عن نفسه فلم يمنعه.

فإن احتجوا بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس"، فقد قصر حل القتل على هؤلاء ونفاه عن غيرهم، وحينئذ فلا يجوز قتل الصائل قبل أن يقتل، فإنه يقال لهم: إن القاصد لقتل غيره ظلما داخل في هذا الخبر؛ لأنه أراد قتل غيره، فإنما قتلناه بنفس من قصد قتله لئلا يقتله، فأحيينا نفس المقصود بقتلنا للقاصد، ولو حظر قتل من قصد قتل غيره ظلما لوجب مثله في سائر المحظورات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015