أنه إذا قتل جماعة واحدا، فإن القياس يقضي بألا يلزمهم القصاص؛ لأن المعتبر في القصاص المساواة؛ لما في الزيادة من الظلم على المعتدي، وفي النقصان من البخس بحق المعتدى عليه، ولا مساواة بين الجماعة والواحد، هذا شيء يعلم ببداهة العقل، فالواحد من الجماعة يكون مساويا ومماثلا للواحد المقتول، فكيف تكون الجماعة مماثلة للواحد؟!

وأيد هذا القياس قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ، وذلك ينفي مقابلة النفوس بالنفس.

الجواب: أجاب الحنفية عن ذلك بقولهم: إنهم قد أخذوا بالاستحسان وزكوا العمل بالقياس في هذه المسألة بما روي عن: عمر، وعلي، وابن عباس -رضي الله عنهم- من قتلهم الجماعة بالواحد -كما ذكرنا آنفا- وكان الصحابة -رضي الله عنهم- متوافرين، ولم ينكر عليهم أحد فحل محل الإجماع.

ولقد اعترض على الأخذ بالاستحسان بأن القياس مؤيد بقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ، وذلك ينفي مقالة النفوس بنفس؛ فعلى ذلك يلزم من ترك هذا القياس ترك العمل بمدلول الآية المذكورة بما روي عن عمر -رضي الله عنه- وذلك لا يجوز؛ لأن عمر إما أن يكون منفردا في ذلك أو انضم إليه إجماع الصحابة، فإن كان منفردا في قضائه قله المذكورين آنفا، فظاهر عدم جوازه؛ لأن قول صحابي واحد وفعله لا يصلحان للمعارضة لكتاب الله تعالى، فضلا عن الرجحان عليه، وإن انضم إليه إجماع الصحابة؛ حيث كانوا متوافرين، ولم ينكر عليه أحد منهم فحل محل الإجماع -كما صرح به في العناية وغيرها- فكذلك لا يجوز؛ إذ تقرر في علم أصول الفقه أن الإجماع لا يكون ناسخا للكتاب ولا للسنة كما لا يكون القياس ناسخا لشيء منهما.

وقد أجيب عن هذا الاعتراض بأن قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015