النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ، لا ينافي ما قالوا في هذه المسألة؛ إذ لا دلالة فيه على اعتبار الوحدة في النفس، بل فيه مجرد مقابلة جنس النفس بجنس النفس كما ترى، والمقصود منه الاحتراز عن أن يقتص النفس بغير النفس، كما في قوله تعالى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ} ونحوهما، وأما أنه هل تتحقق المماثلة المعتبرة في القصاص عند تعدد النفس في جانب القاتل أو المقتول، فإذا يستفاد ذلك من دليل آخر، ألا ترى أن العين اليمنى لا تقتص بالعين اليسرى، وكذا العكس، مع أن قوله تعالى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} لا يدل عليه نظرا إلى ظاهر إطلاقه، بل إنما يستفاد ذلك من دليل آخر، فكذا هنا والدليل موجود وهو ما روي أن عمر قتل الجماعة بالواحد، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فكان إجماعا على قتل الجماعة بالواحد، فدل ذلك على عدم اعتبار المماثلة من هذه الناحية1.
كما أجاب الفقهاء أيضا عما يفهم من قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} أن الله سبحانه وتعالى شرط المساواة، ولا مساواة بين الجماعة والواحد، بأن المراد بالقصاص في الآية قتل من قتل كائنا من كان، ردا على العرب التي كانت تريد أن تقتل بمن قتل من لم يقتل، وتقتل في مقابلة الواحد مائة؛ افتخارًا واستظهارا بالجاه والمقدرة، فأمر الله سبحانه وتعالى بالعدل والمساواة، وذلك بأن يقتل من قتل2.
وبهذا التحليل الدقيق نرى رجحان ما استدل به الجمهور على قتل الجماعة بالواحد قصاصا.