تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقى
وليست من جنس واحد فيستقل بعبئها ويكفيه معاون عليها إنما هي أنواع فلا يفي بها الانفر ولهذا احتاج التمدن - وقد خالف الله عز اسمه من أجل التخيير والتحزب وهذا الاجتماع في القرى بين الأهواء والهمم كيلا يطبقوا على اختيار واحد هو الأفضل فيضيع ما دونه ويؤدي تساويهم إلى هلاك جملتهم - فلما اختلفت المقاصد والارادات افتنت الحرف والصناعات واتخذ بعضهم بعضا سخريا - يعمل له بالعدل دائما في التعاوض في التسخير بالجور والاستيجار لا يدوم ولا يستقيم الا ان كثرة الأراب وتباين أوقاتها واستغناء الواحد أحيانا عما عند الآخر ألجأهم إلى طلب أثمان عامة بدل الاعواض الخاصة فاختاروا لها ما راق نظره ورواءه - وعز وجوده وطال بقاؤه - ثم انقاد للتعظيم بالتوحيد والتصغير بالتجزئة والتبديد والتختم بالتنقيش والتصوير مترددا بين صنوف الهيآت والصور ثابت هي ولاؤه ومادته - وكما أن الله عز وجل أزاح علل خلقه من الآلات وهدى الإنسان بالعقل المنبه على الآيات ثم أرسل صلوات الله عليهم أجمعين المرشدين إلى صلاح العقبى وبالملوك خلفائهم في الورى بحمل الكافة على قضية العدل في مصالح الدنيا كلها - كذلك لرأفته على خلقه وظاهر عنايته بهم حزن لهم قبل خلقه إياهم جميع الموزونات في أرحام الأرضين تحت الرواسي الشامخات الانتفاع بها في الاجتلاب والدفاع - إليه يرجع قوله تعالى - (والقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) ثم قدر في الفضة والذهب جميع ما صالح الناس عليه حتى يحكى أثمان المطلوبات وهداهم إليها فاستخرجوها من معادنهما التي عديا فيها دهورا ووكل السياسة بهما ليحفظوهما من تمويه الخونة أشباههما المغايرة إياهما إبدالاً عنهما وليهذبوهما عن الأدناس بالسبك والطبع فما من حق مع محق الا بازائه بأكل مع مبطل يروم به تروجيه في مكانه - وهذا وأمثاله هو المحوج أولى الرياسة إلى مراءاة شروط السياسة ليستحقوا اسم الخلافة في الخلق وسمة الظل في الأرض عند التقبل بأفعاله سبحانه في التعديل بين الرفيع والوضيع والتسوية بين الشريف والضعيف من خلائقه ووفق اللَه تعالى للخير كل مستوفق إياه -
لما سهل الله على الناس تكاليف الحياة وتصاريف المعاش بالصفراء والبيضاء انطوت الأفئدة على حبهما ومالت القلوب إليهما كميلها في أيديهم من واحدة إلى أخرى واشتد الحرص على أدخارهما والاستكثار منهما وجل محلهما من الشرف والأبهة وضعا لا طبعا واصطلاحا فيما بينهم لا شرعا لأنهما حجران لايشبعان بذاتهما من جوع ولا يرويان من صدى ولا يدفعان باسا ولا يقيان من أذى وكل ما لم ينتفع به في غذاء يقيم الشخص ويبقى النوع وفي ملبوس يدفع بأس الناس ويقي أذى الحر والبرد وفي كن يعين على ذلك ويقبض به الشر فليس بمحمود طبعا - وإنما حمد بالعرض وضعا غدا حصل به ما يضطر إليه وأعوز بغيره - ولذلك سموه خيرا كالمطلق لاحتوائه على المناجح في المآرب ونطق التنزيل بما تعارفوا به قال الله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت أن ترك خيرا) وقال (منّاع للخير معتد اثيم) وقال (انه لحب الخير شديد) وجرى على الألسن - أن الجائد بالدرهم جائد بجميع الخير لأنها في ضمنه وان لم يكن ذلك طبعه