لما احتاج الملوك في حركاتهم وانتقالاتهم الاختيارية والاضطرارية إلى أصحاب أموال تصحبهم من اجلها خدمهم وينزاح بهم العلل في اخراجاتهم وعوارضهم وكان الورق أخف محملا من المثمن به في المصالح نظروا الى الفاضل عليه في ذلك فوجدوه العين فان المثمن من المطالب يكون عشرة أضعاف ما يحصل بالورق على الاصل القديم المعين في الديات والزكوات وان تغير بعد ذلك لعزازة الوجود ونزارته في بعض الأحايين دون بعض او لفساد النقود - وأما في اصل الجبلة في كل عالم فان الذهب اعز وجودا من الفضة والفضة اقل وجودا من النحاس ويناسبها صغر الحجم وعظمه ورجحان الوزن ونقصانه - ثم من العجب ما في زرويان من معدن واحد يعطى جواهر هذه الأجناس الثلاثة بتفاضل مقارب لهذه النسبة وذلك ان عطية الوقر فيه من الذهب وزن عشرة دراهم ومن الفضة وزن خمسين درهما ومن النحاس خمسة عشر منا - فلهذا اثروا العين على الورق في الاصطحاب وخف عليهم محمله وحين لم يأمنوا الواقعات النائبة سجالا وقد عرف أن النجاء فيها بالقلة والخفة مالوا الى الجواهر اذ كان حجمها عند حجم الذهب اقل قدرا من حجم الذهب عند الفضة وحجم الفضة عندما يشتري بها من المصالح فاصطحبوها معهم وقرنوها بأنفسهم ولكنها عند إلجاء تلك الحوادث الى التنكر - ربما صارت ساعية بهم دالة عليهم كما نم بفتية الكهف عتق السكة في الورق حتى اتجهت عليهم التهمة بوجود ذخيرة عتيقة - وذلك ان الجواهر خاصة من آلات الملوك فاذا كانت عند غيرهم مما لا يليق بحاله تلونت الظنون فيه بأنها أما مسروقة والسارق مطلوب وأما متملكة حقا لمتنكر من الكبار ومثله مرصود - وقد كان فضلاء الملوك يجمعون الأموال في بيوتها من المساجد ويجلبونها من اجل وجوهها - ثم يكنزونها بالتفرقة في أيدي حماة الحريم ثم الدافعين مغار العدو عن الحوزة إذ كانت أول فكرتهم أخر عملهم - وهم كالخلفاء الراشدين ومن تشبه بهم مقتديا مثل عمر بن عبد العزيز والكثير من المروانية والقليل من العباسية أذ كانوا يرون ما قلدوه عبأ ثقيلا قد حملوه ويحتسبونه محنة ابتلوا بها وكانوا يجتهدون في نقص أصرها ويتحرجون عن التردي في وزرها - يحكى عن قاطني أحد البلاد في أقاصي بلاد المغرب أن الأمارة تدور فيما بين اعيانهم وثباتهم على نوب يقوم بها من ينوبه ثلاثة اشهر ثم ينعزل عنها بنفسه عند انقضاء أمدها فيتصدق شكرا فيرجع إلى أهله مسرورا كأنما انشط من عقال ويشتغل بشأنه - وذلك لأن حقيقة الامارة والرياسة هي هجر الراحة لراحة المسوسين في أصناف مظلومهم من مظالمهم وأتعاب البدن في الذياد عنهم وحمايتهم في أهليهم وأموالهم ودمائهم وأنصاب النفس في إنشاء التدابير للقتال دونهم والذب عن جمهورهم وما يجمعونه له من الوظائف المقسطة بينهم كالأجرة المفروضة لحارس المحلة مثل ما يجمع المبذرق الرفقة بحسب فعله وقدر رتبته وقد انقضى ذلك بانقضاء زمانه - ولكل زمان مراسم يجب ان تراعى في اهله واىزلال النظام بعد التشابه والالتئام -
إنما حرم شرب الماء في أواني الذهب والفضة لمل تقدم ذكره من انقطاع النفع العام بها واتجاه قول الشيطان عليه (وآمرنهم فليغيرون خلق الله) ولنكتة ربما قصدت فيه وهي ان هذه الاواني لاتكون الا للملوك دون السوقة وللأنام بين الأيام من الضيق والسعة دول تدول وأحوال تحول فاذا صرف ما حقه يبث في الأعوان الى تلك أواني اتكالا على كثرة القنية أيام الرخاء ثم دار الزمان واتى بضده أحوج الى سبكها وطبعها دراهم ودنانير ففترت النيلت بظهور الضيقة وطمع الأعداء بانتشار خبر الضعف والإفلاس بين الناس فهم عبيد الطمع وما نعو الحقوق إذا أمكن وهو المعنى المظنون به انه محشو تحت التحريم فلن يخلو الشرع الشريف من مصلحة عامة او خاصة دنياوية أو آخرية وفق الله تعالى الكافة للتأمل واعتبار المستأنف بالماضي وصانهم بالقناعة عن احقاب الاوزار ورزقهم السلامة من الغاشين والدعار بمنه وكرمه -