أيَذْهَبُ عُمْرِي هَكَذَا لَمْ أَنَلْ مِنْهُ ... مَجَالِسَ تَشْفي قَرْحَ قَلبي من الوَجْدِ
وَقَالُوا: تَدَاوَى إنَّ فِي الطبِّ رَاحَة ... فَعزّيتُ نَفسِي بالدوَّاءِ فَلم يُجْدِ
فَلم يتَكَلَّم حَتَّى شقّ بردة كَانَتْ عَلَيْه مثل الْبردَة والأمسية فَخرج مِنْهَا وَرمى بِنَفسِهِ فِي الْبركَة فنهل وَالله حَتَّى تبينتُ النُّقصان، فأُخْرج ميِّتًا سُكْرًا، وضممت الْبردَة إليّ فَمَا قِيلَ لي خُذْ وَلا دَعْ، فانصرفتُ إِلَى منزلي، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث دَعَاني فَدخلت إِلَيْهِ وَهُوَ فِي بهوٍ قَدْ كُنَّت سُتُوره، فكلمني من وَرَاء السّتْر، فَقَالَ: أعطرد؟ فَقلت: لبيْك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، قَالَ: كَأَنَّني بك الْآن قَدْ أتيت الْمَدِينَة فَقلت: دَعَاني أَمِير الْمُؤْمِنِين فَدخلت إِلَيْهِ فَفعل وَفعل، قَالَ يَا ابْن الفاعلة لَئِن تَكَلَّمت - بِشَيْء مِمَّا كَانَ - شَفَتَاكَ، لأطرحن الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك، يَا غُلَام! أعْطه خَمْسمِائَة، الْحق بِالْمَدِينَةِ.
قُلْتُ: أَفلا يَأْذَن لي أَمِير الْمُؤْمِنِين فَأَقْبَلَ يَده وأتزود نظرة إِلَى وَجهه، قَالَ: لَا، قَالَ عَطَرَّد: فَخرجت من عِنْده فَمَا تَكَلَّمت بِشَيْء من هَذَا حَتَّى دَخَلَت الهاشميَّة.
قَوْله: وَقَالُوا: تداوى.....خرجه عَلَى الأَصْل لإِقَامَة الْوَزْن، وَقَدْ بَينا هَذَا فِيمَا مضى بشواهده.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القَاسِم الأنبَاريّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يَحْيَى النَّحْويّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شبيب، عَنْ عَمْرو بْن عُثْمَان، قَالَ: مرت سُكَيْنَةُ بعُروة بْن أُذَيْنة، وَكَانَ يتنسَّك، فَقَالَت لَهُ: يَا أَبَا عَامر! أَلَسْت الْقَائِل:
إِذا وَجَدْتُ أَذَى للحبِّ فِي كَبِدِي ... أقبلتُ نَحْو شِفَاء الحبِّ أبْتَردُ
هَذَا بَرَدْتُ بِبرد الماءِ ظاهرَهُ ... فَمنْ لِحَرٍّ عَلَى الأحشاء يتّقِدُ
أولست الْقَائِل:
قَالَتْ وأبثثُتها سِرِّي فبحتُ بِهِ ... قَدْ كُنْت عهدي تُحِبُّ السِّتْر فاسْتَتِرِ
ألستَ تبصرُ مَنْ حَوْلي فقلتُ لَهَا ... غطَّي هواكِ ومَا ألْقَى عَلَى بَصَري
هَؤُلاءِ أَحْرَار - وأشارت إِلَى جواريها - إِن كَانَ هَذَا خرج من قلب سليم.
قَالَ القَاضِي: وأنشدنا بَيْتِي عُرْوَة الْأَوَّلين من غَيْر هَذِهِ الرِّوَايَة.
لما وجدتُ أُوَار الحبِّ فِي كَبِدي ... أقبلتُ نَحْو سجَال الْقَوْم أبْتَرِدُ
هَذَا بَرَدْتُ بِبرد الماءِ ظاهرَهُ ... فَمنْ لنارٍ عَلَى الأحشاء تَتَّقِدُ
والأُوار: مَا يجدُ من الْغُلَّةِ والحرارة، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
والنارُ قَدْ تَشْفِي من الأُوَار
وأمّا السِّجَالُ فَجمع سجلٍ، وَهُوَ الْكَبِير من الدِّلاء، قَالَ الراجز:
لطالما حَلَّأْتُمَاهَا لَا تَرِدْ ... فَخَلِّيَاها والسِّجالَ تبتَرِدْ