حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الصُّولِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ الزُّهْرِيَّ بَعْدَ أَنْ تَرَكَ الْحَدِيثَ فَأَلْفَيْتُهُ عَلَى بَابِهِ، فَقُلْتُ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُحَدِّثَنِي، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنِّي قَدْ تَرَكْتُ الْحَدِيثَ؟ فَقُلْتُ: إِمَّا أَنْ تُحَدِّثَنِي وَإِمَّا أَنْ أُحَدِّثَكَ، فَقَالَ: حَدِّثْنِي، فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: " مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا ".
قَالَ: فَحَدَّثَنِي أَرْبَعِينَ حَدِيثًا.
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَلِيِّ بْنِ بَطْحَا فِي آخَرِينَ، وَاللَّفْظُ لإِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو فُضَيْلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ: " أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَسْمَعُ مِنْ قَوْمِكَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ مِنْهُمْ: إِنَّمَا مَثَلُ محمدٍ كَمَثَلِ نبتٍ فِي كِبًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ: أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ أَنَا؟ قَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: أَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عبد الْمطلب - مَا سمعناه اسمى قَبْلَهَا - إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ خَلْقَهُ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ، ثُمَّ فَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ الْفِرْقَتَيْنِ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِهِمْ قَبِيلَةً، ثُمَّ جعلهم بُيُوتًا فجعلني من خَيْرَهُمْ بَيْتًا، فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتًا وَخَيْرُكُمْ نَفْسًا ".
قَالَ القَاضِي: قَدْ أبان رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْخَبَر مَا فَضله اللَّه تَعَالَى بِهِ عَلَى الْعَالمين، وأرغم بِهِ أعدائه الضَّالِّين المكذبين، وَلَقَد شَرّفه اللَّه تَعَالَى بفضله عَلَى سَائِر الْمُسْلِمِين، وكَرَّمه بِأَن ختم بِهِ النَّبيين، وَرفع دَرَجَته فِي عليّين، فهناه اللَّه مَا أَعْطَاه، وزاده فِيمَا منحه وأولاه، وتابع لَدَيْهِ مواهبه وعطاياه، وأسعدنا بِشَفَاعَتِهِ يوْم نَلْقاه، وكافأه عَنَّا وحاطه وأجزل مثوبته، وَرفع فِي أَعلَى عليين مَنْزِلَته، بِمَا أدّاه إِلَيْنَا من رسَالَته، وأفاضه علينا من نصيحته، وعَلَّمناه من كِتَابه وحكمته.
وَمعنى قولِ مَنْ قَالَ: نبتٌ فِي كبا، الْكِبَا بِالْقصرِ: المَزْبلة، والْكِبَاءُ بِالْمدِّ: الْعُودُ والبَخُور، قَالَ المرقِّشُ الأَصْغر:
فِي كلِّ يوْم لَهَا مقطرةٌ ... فِيهَا كباءٌ مُعَدٌّ وحَمِيم
والمقطرة: هِيَ الَّتِي يَجْعَل فِيهَا الْقُطُر فيُتبخر بِهِ، والْقُطُر: الْعود الَّذِي بِمَبْخَرتِه كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْس:
كأنّ الْمُدَامَ وصَوْبَ الغَمَامِ ... وريحَ الْخُزَامَى ونَشْرَ الْقُطُرْ
يُعَلُّ بِهِ بردُ أنْيابها ... إِذا طَرَّبَ الطائرُ المستحر