غَسَلْت، وأمّا الْغُسْل بِالضَّمِّ فقد اخْتلف أَهْل الْعلم بِالْعَرَبِيَّةِ فِيهِ، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ المَاء، وقَالَ بَعضهم: الغَسْل والْغُسْل لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد، كالرَّهْبِ والرَّعْبِ، والرُّهْب والرُّعْب، وَمثله من الْأَسْمَاء الْأَعْيَان: الحَشُّ والْحُشُّ والرَّفْغُ والرُّفُغ.
وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة: بحقك تنفى، وَقد رَوَاهُ رَاوُون: وَحَقُّك، واخْتُلِف فِي مَوضِع تُنْفَى من الْإِعْرَاب، فَقَالَ بعضُهم: مَوْضِعه رفعٌ عَلَى أصل إِعْرَاب الْمُضارع، إذْ لَمْ يأتِ هاهُنا أَن فتنْصَبَه، وقَالَ آخَرُونَ: مَوْضِعه نصبٌ وأضمروا أَن وأعملوها مضمرة، لِأَن الْمَعْنى: وحقُّك أَن تُنْفى، وَقَد اختُلف نَحْو هَذَا الاخْتِلاف فِي بَيت طَرَفة، حَيْثُ يَقُولُ:
أَلا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أحْضُرُ الوَغَى ... وَأَن أشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْت مُخْلِدِي
فروى: أحضرُ بِالرَّفْع والنَّصب عَلَى نَحْو مَا وَصفنَا، وروى عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَيْضا قَول الشَّاعِر:
يَا لَيْتَني مِتُّ قبل أعْرِفكمْ ... وصَاغَنَا اللَّهُ صِيغَة ذَهَبَا
وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى ذكره: " قُلْ أفغير الله يأمروني أعبد " فَزعم الْكُوفِيُّونَ أَن الْمَعْنى: تأمروني أَن أعْبُدَ، وَأنكر البَصْريون هَذَا وَقَالُوا: تأمروني كَلَام أَتَى اعتراضًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَالْمعْنَى: أفغير اللَّهِ أعبدُ، كَقَوْلِك: زيدا أرى لقِيت، وَنَحْو هَذَا قَول جرير يهجو عُمَر بْن لَجأ:
أَبِالأَرَاجِيزِ يَا ابْنَ اللُّؤْمِ تُوعِدُني ... وَفِي الأَرَاجِيزِ خِلْتُ اللُّؤْمَ والخَوَرَا
الْمَعْنى: وَفِي الأراجيز اللؤمُ والخَوَرُ فِيمَا خلت.
وَهَذَا عندنَا من الكَلِم الَّذِي اخْتُصِرت فَائِدَته من الصِّيغَة اللُّغَوِيَّة، وأُلغِيَ عمله من الْجِهَة النحوية.
وَلِهَذَا الْفَصْل وَمَا ذكرنَا فِيهِ، موضعٌ من كلامنا فِي مَعَاني الْقُرْآن وأبواب الْعَرَبيَّة، وَهُوَ أَوْلَى بِهِ.
حَدَّثَنَا عُمَر بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن مَالك الشَّيْبَانِيّ، حَدَّثَنَا الغَلابِي، حَدَّثَنَا ابْن سَلام، حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مَعْبَد، قَالَ: بعث عَبْد الْملك بْن مَرْوَان إِلَى الشَّعْبِيّ، فَقَالَ: يَا شَعْبِي! عَهْدِي بك وَأَنَّك الْغُلَام فِي الْكُتَّاب فَحَدِّثْنِي، فَمَا بَقِيّ شيءٌ الْآن إِلا وَقَدْ مَلِلْتُه سوى الْحَدِيث الْحَسَن، وَأنْشد:
ومِلِلْتُ إِلا من لِقاء محدثٍ ... حَسَن الْحَدِيث يَزيدُني تَعْليمَا
قَالَ القَاضِي: ونظيرُ هَذَا قَول ابْن الرُّومِي:
وَلَقَد سئمتُ مآربِي ... فَكَأَن طيِّبُها خبيثُ
إِلَّا الحديثُ فإنّه ... مثل اسْمه أبدا حديثُ