حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ دُرَيْدٍ، أَنْبَأَنَا الرِّيَاشِيُّ، عَنِ ابْنِ سَلامٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ لابْنِ أَبِي أَحْمَدَ: أَصَبْتَ لَنَا مَالا أَبْتَاعُهُ؟ فَأَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ أَصَبْتُ لَكَ مَالا، قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: البَلْدَةُ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِهَا، قَالَ: النُّخَيْلُ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، قَالَ: وَدْعَانُ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، قَالَ: الْغَابَةُ، قَالَ: نَعَمْ، اشْتَرِهَا، قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! سَمَّيْتُ لَكَ أَمْوَالا تَعْرِفُهَا فَكَرِهْتَهَا، وَأَخْبَرْتُكَ بِمَا لَا تَعْرِفُ فَاخْتَرْتَهُ، قَالَ: نَعَمْ، سَمَّيْتَ لِيَ الْبَلْدَةَ فَتَبَلَّدَتْ عَلَّيَ، وَسَمَّيْتَ النُّخَيْلَ فَكَانَ مُصَغَّرًا، وَسَمَّيْتَ لِي وَدْعَانَ فَنَهَتْنِي نَفْسِي عَنْهَا، وَسَمَّيْتَ لِيَ الْغَابَةَ فَعَلِمْتُ أَنَّ بِهَا كَثْرَةَ الْمَاءِ، وَقَدْ قَالَ الأَوَّلُ:
إِنْ كُنْتَ تَبْغِي الْعِلْمَ أَوْ مِثْلَهُ ... أَوْ شَاهِدًا يُخْبِرُ عَنْ غَائِبِ
فَاعْتَبِرِ الأَرْضَ بِأَسْمَائِهَا ... وَاعْتَبِرِ الصَّاحِبَ بِالصَّاحِبِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَزْيَد الْخُزَاعِيّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَب بْن عَبْد اللَّه، عَنْ عَمْرو بْن الْهَيَّاج بْن سَعِيد، حَدَّثَنِي مُجالد بْن سَعِيد، قَالَ:
كنتُ من صحابة شَرِيك فأتيتُه يَوْمًا وَهُوَ فِي منزله باكرًا، فَخرج إليَّ فِي فَرْوٍ مَا تَحْتَهُ قميصٌ وَعَلِيهِ كِسَاء، فَقلت: قَدْ أضْحَيْتَ عَنْ مجْلِس الْحَكَم، قَالَ: غسلتُ ثِيَابِي أمس فَلم تَجِفَّ فَأَنا أنْتَظر جُفُوفَها، اجلسْ فجلستُ، فَجعلنَا نتذاكرُ بَاب العَبْدِ يتزوَّجُ بِغَيْر إِذن موَالِيه، فَقَالَ: مَا عنْدك فِيهِ؟ وَمَا تَقُولُ؟ وَكَانَت الخيرزان قَدْ وجَّهت رَجُلا نصرانيًّا عَلَى الطِّراز بِالْكُوفَةِ وكتبت إِلَى عِيسَى بْن مُوسَى أَلا يعْصِيَ لَهُ أمرا، فَكَانَ النَّصْرانُّي مُطَاعًا فِي الْكُوفَة، فَخرج علينا ذَلِكَ اليومَ من زُقَاقٍ يخرجُ إِلَى النَّخَعِ وَمَعَهُ جماعةٌ من أَصْحَابه، عَلَيْه جُبَّةُ خَزٍّ وطيلسان، عَلَى بِرْذَوْنٍ فَارِه، وَإِذَا رجلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ مكتوفٌ وَهُوَ يَقُولُ: واغَوْثَاهُ بِاللَّه، أَنَا بِاللَّه ثُمّ بِالْقَاضِي، وَإِذَا آثَار السِّيَاطِ فِي ظَهره، فَسلم عَلَى شَرِيك وَجلسَ إِلَى جَانِبه، فَقَالَ الرَّجُل الْمَضْرُوب: أَنَا بِاللَّه ثُمّ بك أصلحك اللَّه، أَنَا رَجُل أعمل لهَذَا الوَشْيَ، أُجْرَةُ مثلي مائةُ دِرْهَم فِي الشَّهْر، أَخَذَنِي هَذَا مُنْذُ أَرْبَعَة أشهرٍ واحتبسني فِي طرازٍ يُجْرِي عليَّ فِيهِ الْقُوت، وُلّي عيالٌ قَدْ ضَاعُوا، فأفلتُّ مِنْهُ الْيَوْم هَارِبا فلحقني فَفعل بظهري مَا ترى.
فَقَالَ: قمّ يَا نَصْرانيُّ واجلسْ مَعَ خَصْمِك، قَالَ: أصلحك اللَّه يَا أَبَا عَبْد اللَّه هَذَا من خَدَمِ السيدة، مُرْ بِهِ إِلَى الحَبْس، قَالَ: قُمْ وَيلك فاجلسْ مَعَه كَمَا يُقَالُ لَك، فَجَلَسَ.
فَقَالَ لَهُ: مَا هَذِهِ الْآثَار الَّتِي بِظهْر هَذَا الرَّجُل؟ مَنْ أثَّرها بِهِ؟ قَالَ: أصلح اللَّه القَاضِي، إِنَّمَا ضربتُه أسْوَاطًا بيَدي، وَهُوَ يستحقُّ أَكثر من هَذَا، مُرْ بِهِ إِلَى الْحَبْس.
فَألْقى شريكٌ كساءُهُ وَدخل دَاره وَأخرج سَوْطًا رَبَذِيًّا، ثُمّ ضرب بِيَدِهِ إِلَى مجامع أَثوَاب النَّصْرانُّي، وقَالَ للرجل: انْطَلِقْ إِلَى أهلك، ثُمّ رفع السَّوْط فَجعل يضْرب بِهِ النَّصْرانُّي